الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

معركة فكرية.. نحتاج تذكّرها

كما ذكرت في مقال، الأسبوع الماضي، ليس هذا موسم الحديث عن طه حسين، ولكن متى تحدثنا عن العلم ومحاربة الجهل، يبرز اسمه، وأهميته تكمن في أنه حمل الذهنية النقدية.. لقد بدأ معركته التنويرية بكتابه «في الشعر الجاهلي»، والذي صدر عام 1926، وهو عن مجموعة محاضرات سبق أن ألقاها على طلابه.. أثار حينها عاصفة من النقاش والجدال، وكان له دوي كبير في الأوساط الفكرية والثقافية المصرية والعربية، لما تضمنه من آراء جديدة صدمت جهات كثيرة خصوصاً الدينية المتزمتة، وفي أوساط بعض النقاد العقلانيين الذين اتهموه بالقفز فوق التاريخ، كما اتهمه الإسلاميون بالكفر وخيانة التاريخ العربي والإسلامي.

مُنع الكتاب تحت ضغوط بعض الفئات الإسلامية المتطرفة، وهذه الهجمة جعلته يصر على موقفه، ومما قاله آنئذ: «جادلوني بدلاً من أن تتهموني، ما أكتبه هو اقتراح للمناقشة، أقنعوني ولا تقمعوني».

لقد توقع طه حسين ما حدث من ضجة حول مؤلفه، حتى إنه كتب في مقدمته: «هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد، لم يألفه الناس عندنا من قبل، وأكاد أثق بأن فريقاً منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقاً آخر سيزورّون عنه ازوراراً. ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء، أريد أن أذيع هذا البحث، أو بعبارة أصح أريد أن أقيده، فقد أذعته قبل اليوم، حين تحدثت به إلى طلابي في الجامعة، وليس سرّاً ما يُتحدث به إلى أكثر من مائتين».


ولمزيد من الشرح والتوضيح يضيف، قائلاً: «لقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعاً ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة، التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي، وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول، غير حافل بسخط الساخطين، ولا مكترثٍ بازورار المزوَرّ، وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث، وإن أسخط قوماً وشق على آخرين، فسيرضي هذا الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل، وقوام النهضة الحديثة، وذخر الأدب الجديد».


صدر الكتاب مرة أخرى عام 1927 بعنوان: «في الأدب الجاهلي» بعد أن تم حذف بعض الأفكار، ولم تتوقف معاركه، حتى إنه رفض منح الدكتوراه الفخرية لأعضاء من العائلة المالكة والمحسوبين على القصر، ولم تتوقف معاركه ضد الاستبداد السياسي والجمود الديني.