الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

من كان أولى بالسودان؟

كان العرب ـ كلهم ـ يعرفون ما يمرُّ به الشعب السوداني من الأزمات على كل المستويات.. فقد شاهدوا 30 عاماً من الاستبداد في حكم البشير، وبخلوا على الشعب السوداني بالدعم، ويقدمون الأموال لأصحاب القرار.. وأمامهم انقسم السودان على نفسه ما بين دولتين شمالاً وجنوباً، وهم يشترون السلاح للمتمردين ويبخلون عليهم بالطعام، وفي حربه الأهلية قُتل الملايين وضاعت فيها ثرواته وموارده، مع أنه من أغنى الدول العربية في موارده وثرواته، ومساحاته من الأراضي الخصبة تكفي لإطعام العالم العربي كله.

أثناء الحرب الأهلية كان العرب يقدمون السلاح للمقاتلين شمالاً وجنوباً، ويساومون الأحزاب والقوى السياسية لشراء مواقفها، ولا يفكرون في مواجهة المشكلات والأزمات.. والمحصلة هي: أن الشعب السوداني عانى كثيراً ما بين الفقر والإرهاب والانقسامات ولم يقف أحد بجانبه، وتركه العرب غارقاً في أزماته ولم يفكر أحد في إنقاذه مما يعانيه.

أنا عاشق قديم للسودان، وحين زرته للمرة الأولى في بداية السبعينات كان بلداً غنياً مستقراً.. وحين حلت عليه أشباح الاستبداد والحرب الأهلية وانقسم على نفسه دخل في دوامة من الصراعات والانقسامات التي أفسدت كل شيء.


لقد أطاح الشعب السوداني بالرئيس المخلوع عمر البشير وبدأ صفحة جديدة من الحريات وحقوق الإنسان.. وكان ينبغي أن يتجه العالم العربي لإنقاذ السودان من أزماته، ولكن العرب تخلوا عن الشعب السوداني - كما ذكرت سابقاً - وتركوه للأزمات ما بين الفقر والديون وسد النهضة والسيول والفيضانات، ولم يتلقَّ السودان دعماً إلا في حدود ضيقة من مصر أو السعودية والإمارات.


وأمام هذا الواقع الصعب ألقت أمريكا شباكها وحاصرت الوطن المأزوم، وكانت ورقة الخروج من قائمة الإرهاب أول عطايا العم سام، ثم كانت صفقات القمح واتفاقيات التعاون والتطبيع مع إسرائيل، ونجحت أمريكا في أن تنحي السودان جانباً، وقد كان يوماً من أكثر الشعوب العربية دعماً وتأييداً للشعب الفلسطيني.

بقي لنا أن نسأل: هل يقبل الشعب السوداني هذه الصفقات أم سيكون له موقف آخر؟ وهل يحمل قطار التطبيع السودان كما حمل غيره؟ وهل يمكن أن يظل موقف العرب من السودان كما هو ولن يتغير؟

الزمن وحده يمكن أن يجيب. إنني أعرف الشعب السوداني جيداً، وهو شعب يعتز بثوابته وجذوره، وهو من أكثر الشعوب العربية اعتزازاً بدينه وثقافته وأرضه.. وإن غداً لناظره قريب.