الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سوريا والفرص الضائعة

لا يمكن لأي صراع في العالم أن يستمر مدى الحياة، فتاريخ الحروب يثبت أن أغلبها انتهى بالمصالحات وإبرام الاتفاقيات وفق مبدأ «لا رابح».

المنتصر في الحربِ خاسر، هذه الحال تمثّل المشهد السوري المتصارع طرفاه منذ 2011 على مستقبل سوريا السياسي، فالحكومة تتهم المعارضة بالولاء للخارج والمشاركة في مؤامرة هدفها إسقاط سوريا، وليس نظامها الحاكم وفقاً لمشروع أمريكي غربي.

بينما المعارضة تصف المنظومة الحاكمة بالدكتاتوريّة المتسلطة على قوت الشعب وحريته، والعمل على تحويل سوريا من لاعب رئيسي في المنطقة إلى ملعب تتقاذف على أرضه القوى الإقليمية كرات التصارع على النفوذ.


نعم، ثمة من أراد لسوريا أن تفقد صورتها القوية، ولكن هذا لا يبرِّر مطلقاً ما قامت به الحكومة من رهن قرارها لموسكو وطهران؛ على أنه سياسة حماية النفس تجاه ما تسميه بـ«المؤامرة الخارجية» لدرجة أن المسؤولين الإيرانيين يتعاملون مع الدولة السورية بطريقة لا تليق ومكانتها العربية والعالمية، وتجسَّد ذلك بالتصريحات التي تحاول من خلالها طهران سلبَ الإرادة السورية، وإثبات أن الكلمة العليا لطهران، وهذا ما أتى عليه «علي أكبر ولايتي» مستشار المرشد الإيراني «علي خامنئي» حين قال: «لولا إيران لكان نظام الأسد ساقطاً خلال بضعة أسابيع».


لم تكن الحكومة وحدها المسؤولة عما وصلت إليه البلاد؛ بعدم استجابتها لمطالب الشعب، بل إن المعارضة حجزت بتصرفاتها غير المسؤولة مكاناً لها في مسيرة المأساة السورية، إذ إنها خرجت ضد من تصفُه بالقمعيّ، وفي الوقت ذاته عرّفت عن ذاتها بأنها الممثّل الوحيد والشرعيّ للشعب السوري، وهذا ما يتناقض ومطالب الحراك الذي بدأ سلمياً.

المعارضة زادت الطِّين بلّةً حين عسكرتِ الحراك وسلحته، وكانت الفرصة التي استطاعت من خلالها الحكومة إثبات نظريتها: بأن ما تواجهه ليس حراكاً سلميّاً، وإنّما تمرّداً مسلحاً، مسوِّغة لنفسها كل أساليب الردّ الممكنة.

الوقائع الملموسة تثبت أنه لو استثمر طرفا النّزاع الفرص التي مُنحت لهما من أجل إيجاد حل يوقف نزيف الدماء لكانت نار الحرب خمدتْ خلال أوّلِ سنتين، ولكن هذا ما لم يكن، فبات كل طرف ينتظر المتغيرات الدولية كي يستثمرها في مصلحِته، بينما البلاد مقسَّمة بين مناطق نفوذ أمريكيَّة روسيَّة وتركيَّة وإيرانيّة، وهي الحقيقة الماثلة على الأرض، والتي لا يمكن إنكارها.