الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

عندما يكون قتل الإنسان عبادة

إن من يتابع حوادث الطعن والقتل التي قام بها شباب ينتسبون إلى الإسلام في الدول المستضيفة لهم في أوروبا، سيجد أنهم يفعلون هذا بدافع إيماني، ورغبة في الانتصار للدين، ونيل رضا رب العالمين.

هنا يثور السؤال: كيف وصل هؤلاء الشباب إلى قناعة إيمانية بأن قتل النفس البريئة التي لا يعرفونها يمثل قربة إلى الله ونصرة للدين؟ ومن الذي أقنعهم بنزع القداسة عن النفس البشرية، وعدم الاعتراف بتحريمها، ومخالفة القرآن الكريم، وتحويل التحريم القطعي لقتل النفس إلى تحريم مخصص بنوعية معينة من الأنفس، يقررونها هم، ويختارونها هم، وغالباً ما تكون أنفس جماعتهم أو فرقتهم ومذهبهم؟

فعلى الرغم من أن القرآن الكريم كان قاطعاً في تحريم قتل النفس البشرية بآيات قاطعات، فقال سبحانه: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».. (سورة المائدة ـ الآية 32)، فوضع القرآن الكريم حرمة النفس فوق كل اعتبار.


إذا كانت هذه القدسية للنفس البشرية قد رسّخها القرآن الكريم، فما الذي جعل المسلمين يتغافلون عن هذا التحريم القطعي، وينتهكون قدسية النفس، ويتساهلون في القتل؟ وهذا السؤال يمثل تحدياً كبيراً لكل المؤسسات والمرجعيات التي تسعى إلى إصلاح الخطاب الديني، وتخليص المسلمين والبشرية جميعها من هذا السرطان البشري الذي انتشر، وصارت معه النفس البشرية رخيصة.


ثم ما هي المصادر الفكرية التي أوجدت من يسترخص النفس البشرية، ويتعامل معها باعتبارها وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ومصالح حزبية وطائفية؟ وما الذي جعل المسلم يدهس بشراً آمنين في شوارع مدن ودول استضافته، ومنحته الأمان على الأقل؟ وأيُّ ثقافة دينية تقود الإنسان إلى أن يتعامل مع حياة إنسان آخر على أنها وسيلة سهلة لتحقيق أغراضه السياسية الساذجة؟

هذا الفكر الذي ينزع القداسة عن النفس البشرية ويُشرّع قتلها، يحتاج إلى أن تنهض المؤسسات العلمية والتعليمية والمراجع الدينية لمواجهته بالقول الفصل.. نحتاج إلى أن يصدر ميثاق يُجمع عليه علماء المسلمين بجميع مدارسهم وخلفياتهم، وفي جميع الدول يعيد القداسة لروح الله في الإنسان، ويؤكد أن روح الإنسان نفخة من روح الله، وليس من حق أحد إزهاقها إلا الله سبحانه وتعالى.. نحتاج إلى أن يتحول ذلك إلى دستور ومرجع قانوني للمسلمين، لا يخرج عنه إلا مارق عن الأمة، خارج عليها، وبدون ذلك سيظهر ملايين الشباب في قادم الأيام يكررون مثل هذه الفظائع في مختلف بقاع الأرض.