الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

استفتاءات مزيَّفة في غرب إفريقيا

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تنظيم جولتين انتخابيتين رئاسيّتين في دولتين تقعان في منطقة غرب إفريقيا، هما غينيا يوم 18 أكتوبر وساحل العاج يوم 31 منه، حدث ذلك بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس دولة مالي إبراهيم بوبكر كيتا في 18 أغسطس الماضي، ومن المنتظر تنظيم 3 جولات انتخابية رئاسية خلال الأشهر المقبلة في الدول الثلاث غانا وبوركينا فاسو والنيجر.

إلا أن الظروف التي تتم فيها هذه الحملات لا يبدو أنها تمثل فألاً جيداً على الاستقرار السياسي والأمني للمنطقة، حيث عمد الفائزان بمنصب الرئاسة في غينيا وساحل العاج إلى إقحام تعديلات دستورية مزوّرة تسمح لهما بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، وكانت الحملتان الانتخابيتان في كلا البلدين مشوبة بالتوتر وحوادث العنف وجرائم القتل.

وفي ساحل العاج، قررت المعارضة مقاطعة الانتخابات لتُبْقِي الباب مفتوحاً أمام الرئيس الحسن واتارا البالغ 78 عاماً للبقاء في سدّة الحكم، وفي غينيا، سمح القمع الوحشي باحتفاظ الرئيس «ألفا كوندي»، الذي بلغ 82 عاماً من عمره، بمقعد الرئاسة.


هذا «الانتصار» الذي حققه رئيسا البلدين المذكورين، من شأنه أن يعيد إحياء الحساسيات العرقيَّة القديمة، وقد يدفع باتجاه إزكاء الفوضى وتأجيج العداوات المحلية والترويج لاندلاع الحروب الأهلية.


ويكمن عنصر المفاجأة والاستغراب في هذا الذي يحدث، في أن هذين البلدين هما من بين أكثر بلدان الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية السابقة ثراء في إفريقيا، وتحتل ساحل العاج المرتبة الأولى عالميّاً في إنتاج الكاكاو، وتعد إحدى أهم الدول في تصدير الأخشاب والموز والأناناس، ورُزقت غينيا بدورها بأضخم مناجم خامتي «البوكسيت» والحديد وبعض المعادن الأخرى.

وتحاول شركات عالمية كبرى الفوز بحقوق استغلال هذه الثروات، وبما يحقق فُرَصاً مغرية للإثراء لمن يتحكم في الشؤون السياسية للدولتين، إلا أن ذلك يؤدي في الوقت ذاته إلى احتدام التنافس بين المجموعات الإثنية المحلية للدفاع عن أراضيها ومنع الاستيلاء على ثرواتها ومصادرها أو السيطرة على مواقعها الاستراتيجية.

ولن يؤدي كل ذلك إلا إلى التعجيل بانهيار الأسس التي تقيم عليها الدول، وإضعاف الشعور بالانتماء الوطني، ودفع الشبّان للبحث عن طريق للهجرة إلى أوروبا بحثاً عن مستقبل أكثر أمناً.

ولكن، من ناحية أخرى، يمكن لهذه الظروف أن تفتح الأبواب المشرعة أمام المجموعات الإرهابية التي تمارس نشاطاتها الإجرامية في حزام الساحل الإفريقي.

وعلى سبيل المثال، عندما أقدم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على قتل 18 شخصاً على شاطئ «غراند بسام» القريب من مدينة أبيدجان في ساحل العاج في شهر مارس 2016، فلقد كان هذا التنظيم يعبر عن طموحاته بالتوغل في عمق منطقة جنوب الساحل الإفريقي.

ويمكن اعتبار هذا الذي يحدث مؤشراً واضحاً لا يجوز إغفاله ولا تجاهله من طرف المجتمع الدولي، الذي ينبغي أن تتطابق مصالحه واهتماماته مع مصالح واهتمامات هذه الدول الجديدة المعرضة لأخطار الطموحات الإجرامية.