الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تونس.. حديث الأرقام

لم ينتظر أيّ تونسي الإطلالة الأخيرة لرئيس الحكومة، هشام المشيشي، لكي يقف على عمق الأزمة الاقتصادية التي تردت فيها البلاد، ويجمع التونسيون، بمختلف فئاتهم، على مفارقة مفادها: صدق الأرقام وكذب الساسة.

لقد أطلَّ المشيشي، الثلاثاء الماضي، من خلال ندوة صحفية، ليقول للتونسيين: إن البلاد تعيش أزمة خانقة عمقتها تداعيات وباء كورونا، حيث أشار إلى أن عجز الميزانية بلغ 14% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020، وهي نسبة لم تعرفها تونس منذ عقود.

«بلدنا لم يعرف أزمة اقتصادية واجتماعية بهذا العمق»، هكذا عبر المشيشي عن الوضع، لكنه لم يقل أيضاً إن كل الحكومات المتعاقبة، كما في حكومته، لم تكن تملك رؤية واضحة لتحريك الركود الاقتصادي، بل إن الغالب على تداول الحكومات هو إبرام صفقات سياسية على قاعدة المحاصصة، ومواصلة اعتماد السياسات نفسها وكأن كل الأحزاب والحكومات تدس رؤوسها في الرمل، لتفادي أي مساس بالتوازنات السياسية القائمة.


انتهت حلول السَّاسة والأمر متروك للاقتصاديين، فخبراء الاقتصاد حذَّروا من اقتراب تونس من حالة الإفلاس، خاصة في ظل تفاقم الديون الخارجية، والأزمة التي كانت من صنع السياسات المرتعشة غير القادرة على تدبر حلول خلاقة أو إصلاحات موجعة، يمكن أن تضرب مصداقية مؤسسات الدولة في مقتل.


ففي ظل عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية في مستوى الديون، واللجوء تبعاً لذلك إلى جدولة الديون، فإن ذلك سيجعل تونس تحت رقابة المؤسسات المالية الدولية، ولعل السيناريو اليوناني خير دليل على الهوة التي تسير نحوها تونس بشكل حثيث.

في الاقتصاد كما في السياسة، لا يمكن اعتماد الخطوات نفسها وانتظار نتائج مختلفة، ولا جدال في أن الأزمة الراهنة يمكن إعادتها إلى زمن زين العابدين بن علي، باعتبار أن الخيارات الاقتصادية المنتهجة اليوم، هي نفسها خيارات الزمن السابق، ولكن الثابت أن الحكومات المتعاقبة كانت المتسبب في تعميق الأزمة، ووصولها إلى تهديد الأمن القومي للبلاد، لأن الأحزاب الحاكمة، وفي صدارتها حركة النهضة، جاءت إلى الحكم مفتقرة للبرامج الاقتصادية، مدفوعة بمنطق الغنيمة.

لن تنتهي الأزمة في تونس بالأداء السياسي الراهن، ولن تتحسن أحوال التونسيين دون استرجاع هيبة الدولة، وإنفاذ القانون ومحاربة التهرب الضريبي والتهريب والهدر الرسمي، ودون اللجوء إلى إصلاحات توفق بين جيب المواطن ومصلحة البلاد، وفي انتظار انقشاع الغيمة، فإن كلام الأرقام أصدق تعبير على الخراب الذي تركه ساسة هواة تعاقبوا على حكم البلاد.