الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ترامب.. ونُذُر الاضطرابات

«إن المهم ليس الأشخاص الذين يصوتون في الانتخابات، بل الأشخاص الذين يعدّون الأصوات».. هذه هي المقولة الشهيرة التي تعبر عن الفرق بين التصويت في الانتخابات وبين الفوز فيها، تُنسب لديكتاتور الاتحاد السوفييتي السابق جوزيف ستالين.

والولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعد الدولة الديمقراطية الرائدة في العالم، كثيراً ما أثبتت صواب هذه المقولة، وسبق أن حدث ذلك عندما وجدت نفسها مُتورِّطة في معركة قضائية طويلة الأجل لفضِّ الخلاف القائم بين المرشحين «جورج دبليو بوش الابن» و«آل غور» حول طلب إعادة عَدّ الأصوات في الانتخابات الرئاسية لعام 2000، وتم اقتباس هذه الفكرة من ملفات تاريخ الحزب الشيوعي، وسرعان ما انتشر العمل بها في العالم الحرّ والديمقراطي مع بعض السخرية من الناس.

ومرة أخرى، نجد الآن أن إعادة عدّ الأصوات أكثر أهمية من عملية التصويت ذاتها، وكما كان متوقعاً، استبق دونالد ترامب الأمور وأعلن عن انتصار سابق لأوانه في وقت متأخر من أول ليلة للانتخابات في 3 نوفمبر، وكان يستند في ذلك على العدّ المبكّر لأصوات المقاطعات الريفية التابعة لـ«الولايات الحمراء» التي يسودها ناخبون محافظون.


ولم يظهر تفوق بايدن على ترامب إلا في صباح اليوم التالي بعد فرز أصوات الناخبين في مدن كبرى، واحتساب أصوات الغائبين، وعدّ أوراق الاقتراع المرسلة عن طريق البريد، وكما كان متوقعاً، سارعت حملة ترامب إلى إقامة دعوى قضائية لاستصدار قرار بوقف فرز الأصوات في الولايات المتأرجحة الرئيسية مثل بنسلفانيا وميتشيغن، وإذا كان من غير الممكن توقع ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب، فقد يكون ذلك مُمكناً على المدى المتوسط والبعيد.


ومؤخراً، أصدر الباحث الاستراتيجي الرائد على المستوى العالمي في الجغرافيا السياسية جورج فريدمان، كتاباً تحت عنوان: «العاصفة قبل الهدوء: الخلاف الأمريكي، والأزمة القادمة في سنوات العشرينات، والانتصار فيما بعدها»، تنبأ فيه بظهور حالات انقسام واضطرابات داخلية في الولايات المتحدة خلال سنوات العقد الجاري من القرن الـ21.

يرى فريدمان أن تاريخ الولايات المتحدة يتميز بـ«دورتين»، الأولى هي «الدورة المؤسساتية – السياسية» التي تستمر 80 عاماً في كل مرة، والثانية هي الدورة الاجتماعية - الاقتصادية التي تستمر 50 عاماً في كل مرة، وهما تقديران تقريبيان.

وكل واحدة من هاتين الدورتين تنتهي بحالة من عدم الاستقرار تعود في سببها للنجاحات الخاصة التي تحققها، وسوف تلتقي الدورتان زمنياً في منتصف العقد الجاري، وهي الحالة الأولى التي يُسجّل فيها مثل هذا الحدث في التاريخ الأمريكي، وسوف يؤدي ذلك إلى الدخول في فترة لا سابق لها من المصاعب وعدم الاستقرار.

إلا أن هاتين الدورتين لا تشكلان عوامل سلبية للمجتمع الأمريكي، بل على العكس من ذلك لأنهما توجهان الجهود التي تدفع أمريكا إلى الأمام نحو الثقة والازدهار، وتخلقان نموذجاً جديداً للتغلب على المشكلات والصعاب التي تخلقها الدورات السابقة.