الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

دخان البيت الأبيض

على غرار التقاليد المعمول بها في حاضرة الفاتيكان عند اختيار البابا كرأس للكنيسة الكاثوليكية في العالم، علا الدخان الأبيض فوق البيت الأبيض، واختارت الأمة الأمريكية ثاني رئيس لها من الكاثوليك جو بايدن مرشح الحزب الديموقراطي بعد الراحل جيه إف كندي.

هذا الاختيار هو في حقيقة الأمر قرار سينصاع له الجميع عاجلاً أم آجلاً، بصرف النظر عن مآلات المعركة القضائية، فإن المحكمة العليا وإن كانت محافظة بنسبة 6 إلى 3، كما أن 3 من قضاتها اختارهم الرئيس الحالي دونالد ترامب حتى 20 من يناير، لن تكون بمنأى عن ضغط التيار العام الغالب جماهيريّاً وإعلاميّاً وعالميّاً بأن بايدن قد صار حقيقة واقعة، الرئيس الـ46 للبلاد.

إن صدق بايدن وعده في خطاب إعلان الفوز مساء السبت، فإن الأمريكيين عموماً والجمهوريين خصوصاً بانتظار إشارات تصالح أهمها: إزاحة نانسي بيلوسي عن رئاسة مجلس النواب، وهو شبه مؤكد نظراً لارتباطها بالحرب الشخصية مع ترامب وعدد من القيادات الوازنة في الحزب الجمهوري على رأسها ميتش ماكونيل، الذي لا يزال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ.


الإشارة بل المؤشر الثاني على صدق وعود بايدن، الذي قال إنه لن يحكم سوى ولاية واحدة، سيكون بالامتناع عن تغيير قواعد اللعبة بمعنى عدم رفع عدد أعضاء المحكمة العليا، وعدم منح مناصب سيادية أو قيادية لليسار المتطرف فيما وصفه بالمناظرة الأولى بأنه حزبه، ولعل هذه الأخيرة التي ستضعه في خيارات صعبة للاختيار بين أهون الشرين: يغضب حزبه مما سيؤدي إلى خسارته انتخابات 2024 أو يعلي المصلحة الأمريكية العليا، وأهمها: توحيد الأمريكيين، فيُبقي الحزب الديمقراطي بقيادة الوسط وليس اليسار.


في المقابل، وعلى افتراض إقرار ترامب بالهزيمة أو انسحابه من المشهد دون الاعتراف بهزيمته، الأمور تبقى مفتوحة على سيناريوهات عدة، لنكن متفائلين، ونرجح انسحاباً يأتي براً بالوعد الانتخابي «أمريكا أوّلاً»، سيخرج علينا ترامب من البيت الأبيض وخلفيته صورة جورج واشنطن أو أبراهام لنكولن، ليقول إن قراره قبول الانسحاب وليس الهزيمة هو: لأن أمريكا أهم من الجميع وتبقى أولاً، قد يلحق ذلك بوعد العودة عام 2024 في حال ضمان استمرار دعم الجمهوريين له، في هذه الحال سيستمر الانقسام والاستقطاب وربما إعادة إنتاج حروب الحزبين على ساحتي الكونغرس (النواب والشيوخ)، والأخطر عبر الصحافة الأمريكية، لا بل ـ وهذا ما يقلقني ـ استغلال إنجازات ترامب الخلافيَّة داخليّاً وخارجيّاً في معركة صراع الإرادات بين الرئيسين.