الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الهندسة المعمارية.. وطريق العصرنة

الأسبوع الماضي، نظَّمت «المدرسة العليا للأساتذة» ENS، وهي معهد فرنسي ذو قيمة أكاديمية خاصة، مؤتمر فيديو قدمه الباحث الإماراتي الشيخ سلطان سعود القاسمي الذي تلقى جزءاً من تعليمه العالي في باريس، وكان بعنوان (العصرنة المعمارية في الشارقة).

وتناولت محاضرته توصيف المباني القليلة القديمة المتبقية في مدن الإمارات الكبرى، والتي تم بناؤها بين عقدي الخمسينات والسبعينات، وذلك من أجل إبراز بعض معالم التاريخ الحديث لمنطقة الخليج العربي قبل بداية الطفرة البترولية والحصول على الاستقلال، وتابع المحاضرة جمهور مختار من طلاب المستويات الدراسية العليا المتفوقين.

استهل الشيخ سلطان محاضرته بالبحث في مواصفات هذه المباني التراثية القديمة، والتي تمَّ تجاهلها أو حتى نسيانها تماماً، وعدم الاهتمام بها في أغلب الأحوال، وهي التي تقوم في وسط المدن وفي قلب دولة الإمارات، وتحدث الشيخ سلطان عن دهشته عندما اكتشف أن هذه المباني تمثل في الغالب قيمة هندسية معمارية حقيقية، والتي أشرف على تصميمها مهندسون معماريون متفوقون جاؤوا من أوروبا والولايات المتحدة، وجاء بعضهم الآخر من دول الشرق الأوسط مثل: مصر ولبنان والأردن وفلسطين والعراق، وبرزت فيها أيضاً بعض ملامح الهندسة المعمارية الهندية.


وتعرض هذا التراث للاندثار للدرجة التي جعلته غير مرئي بالنسبة للناس العاديين، وخاصَّة بعد أن حلّت محله ناطحات السحاب والأبراج الزجاجية، وإذا كان يبدو أن تلك المباني تعتبر تذكيراً بماضٍ ينبغي تجاوزه، فإن الشيخ سلطان يرى أنها تُعدّ شواهد على طبيعة المراحل الأولى من التطور والانجذاب نحو تشكيل المجتمعات الحضرية في منطقة الخليج، ودليلاً على الرغبة الجامحة نحو التقدم، وكانت المدارس والمستشفيات ومؤسسات المرافق العامة، تُعدّ كلها بمثابة المؤشرات والأدوات لحلول عصر جديد ظهرت بوادره منذ بداية سنوات عقد الستينات.


وأشار الشيخ سلطان إلى مدى صعوبة جمع المعلومات والوثائق المتعلقة بتلك المباني، خاصة بسبب الغياب التام لأي مؤسسة مسؤولة عنها في دولة الإمارات، وقال إن ذلك دفعه لإجراء بحث ميداني حولها في الخارج من أجل استكشاف وجمع الوثائق المفقودة المتعلقة بها، وكان من حسن حظه أنه كان يلتقي في بعض الأحيان ببعض المهندسين المعماريين الذين مارسوا نشاطهم في دولة الإمارات في ذلك الوقت.

وبالإضافة للحديث عن الجوانب الفنية والمهنية للتراث المعماري القديم، قدم الشيخ سلطان، وهو أيضاً عضو في لجنة التراث الوطني، لمتابعيه الأكاديميين، درساً مهماً في التاريخ المعاصر، وكان في وسعه أيضاً من خلال الاستدلال بعناصر وفنون الهندسة المعمارية أن يقدم لمحة عامة عن المجتمع الحضري، الذي بدأ بالظهور في ذلك الوقت من خلال الإشارة إلى التطور الذي طرأ على قطاعات التعليم والرعاية الصحية والمهارات الفنية، وهو التطور الذي قاد المجتمع بأكمله للانفتاح على التغيرات التي يشهدها العالم.

إنه بحق درس لا يزال صالحاً مفاده: أن مستقبل المجتمع لا يمكن بناؤه إلا على جذور الماضي.