الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فن التخلي

يتحدّث الناس عن فن التخلّي، وكيف أنه يشير بشكل أو بآخر إلى ذكاء الشخص في تداول الأشياء في حياته، وكأنها لاستخدام عابر أو حسب اقتضاء المصلحة في سبيل الراحة النفسية.

وشخصيّاً، أجدني لا أؤمن بهذه الفرضيّة، لأنها تحمل في باطنها رخاوة ما، وانهزامية متخفية تحت شعار النضج الفضفاض، وخضوعاً سهلاً لا يليق بما أودعه الله من مقومات وإمكانات داخل كل إنسان، علاوة على إتاحة المجال أمام الاستغلاليين لدفع الآخرين إلى اتخاذ قرار التخلي. وفي هذا إملاء وتحكّم غير مباشر سيرفض المساومة من له خطوط حمراء واضحة في حياته.

وفي كل الأحوال، تحتمل هذه الفرضية الكثير من الأخذ والرد، لأن لها اعتبارات ذاتية لا يمكن تعميمها بالطبع. لكنني حين أستعيد ذكريات إنجازات مختلفة من حياتي، أجدني حققت كثيراً منها بسبب إصراري ورفضي التخلي عن مشروع، أو فكرة، أو مبدأ وجودي أختصم لأجله، حتى لو كلّفني ذلك الكثير من الجهد والضغط النفسي.


أقول هذا، بعد اعتكافي على مشروع علمي أخذ من عمري 6 سنوات، مر بصعوبات وتحديات كثيرة، وقد بدأت مؤخراً في تطبيق تجربة علمية رأيت أمامي ما كنتُ أحضّر نفسي لرؤيته، وأصبح في مقدوري الآن البتّ في الفرضيات التي سأكتشف أخيراً أنها قد تصيب، أو تخيب، فقط تحت مظلّة العِلم الرصين.


نعم! وحده العِلم يدفعنا للتخلّي بقناعة، يجعلنا نعيد النظر، نفتح أبواباً ونوصد أخرى، نقف بإجلال أمام الجهود الكبيرة التي بُذلت لأجل الوصول إلى فكرة – مهما ظننّاها صغيرة وبديهية – بعد تفكيكها تفكيكاً دقيقاً، وفي هذا تشويق لم أجد له منافساً حتى الآن.