الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

أذى الحروب.. الليبيون و«فتيان الزنك»

لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي كنت أشاهدها عبر التليفزيون لا علاقة لها بواقعي الذي عشته، وأنا أسمع صوت صفير الصواريخ فوق رأسي، ولا أفعل شيئاً غير انتظار سقوطها، والكلمات تقف عاجزة عن الوصف، لذلك لم يمر كتاب «فتيان الزنك» للصحافية سفيتلانا أليكسييفيتش دون أن يترك ندباً في قلبي.

فيه تقدم الكاتبة صوراً ومشاهدات عن واحدة من أهم الحقب التي عاشها الاتحاد السوفييتي قبيل انهياره عام 1991، إبان حرب أفغانستان (1979 – 1989)، بنقلها شهادات جنود أفرغوا ما في صدورهم من معاناة عاشوها أثناء وجودهم في تلك الحرب، التي استمرت أكثر من 9 أعوام، وبلغت الخسائر الإجمالية للسوفييت أكثر من 15 ألف قتيل ومئات الأسرى والمفقودين.

لم تكتف سفيتلانا أليكسييفيتش بشهادات الجنود بل التقت أمهات وزوجات الجنود، الذين قتلوا وأرسلت جثثهم في توابيت مصنوعة من الزنك.


الكتاب الذي يقع ضمن سلسلة توثيقية عن الحروب السوفيتية، وبسببه تعرضت المؤلفة للمحاكمة، أثار أسئلة حساسة حول الحرب، منها: من نحن؟، لماذا فعلنا ذلك؟، ولماذا حصل لنا ذلك؟.


تعترف أليكسييفيتش بأنها لا تريد كتابة المزيد عن الحرب، بل تريد أن تحيا مجدداً وسط ما أسمته (فلسفة الاختفاء) بدلاً من فلسفة الحياة، حيث يوجد داخل كل إنسان منا احتياطي من القدرة على التحمل، وهنا لا يمكنني إلا الاتفاق مع أليكسييفيتش، وهي تشير إلى أن قدرتها على تحمل الألم الجسدي والنفسي قد نفدت، وعليها كإنسانة عاصرت تلك الحروب وصحافية توثق شهادات من كانوا هناك في المعركة أن تقدم لهم الدعم.

ما دفع سفيتلانا أليكسييفيتش لكتابة عدة كتب عن الحرب السوفييتية، منها: «ليس للحرب وجه أنثوي»، و«صلاة تشرنوبل»، و«مسحور بالموت»، أننا لا نعرف شيئاً عن الجانب المخفي من تلك الحروب باستثناء التقارير التليفزيونية البطولية.

كلما اقتربت أكثر في مجال عملي كصحافية من النازحين والمهجرين بسبب حربنا الليبية، يتأكد لي أن المعايشة لواقع هؤلاء البشر تختلف عن ما يبثه الإعلام وإن كانت الحقيقة واحدة، هي الفقد.

وتتساءل سفيتلانا أليكسييفيتش: كيف يمكن في آن واحد معايشة التاريخ والكتابة عنه؟، إذْ لا يمكن أن تؤخذ قطعة من الحياة، وجميع البشاعة الوجودية عنوة ووضعها في كتاب، وفي التاريخ لا بد من تحطيم الزمن واقتناص الروح.