الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

واشنطن من أعلى

من يحكم أمريكا؟ سؤال صعب للغاية، ولكنّ عدداً كبيراً من المحللين اختار الإجابة الأسهل، وقال: إنها المؤسسات، ثم زاد في القول: سواء أكان الرئيس ديمقراطياً أو جمهورياً، وسواء أكان هذا الشخص أم ذاك، فإنّ أمريكا دولة مؤسسات، لا يهم فيها من يجلس في البيت الأبيض، ثم وصل البعض بالقول إلى غايته المنشودة: إن أمريكا تمضي وفق خطة ورؤية، وهي موضوعة منذ فترة، وعلى كل رئيس أن يعمل وفقاً لها.

وتقديري أن هناك جانباً من الصواب في ذلك كله، ولكنه ليس صواباً كاملاً، ذلك أن أمريكا دولة عملاقة، وهي تكاد تكون عصيّة على التحليل السياسي الدقيق، إنها 50 ولاية، في كل ولاية نظام داخلي وآليات عديدة، وفي العاصمة الفيدرالية مؤسسات وكيانات عديدة، منها ما هو رسمي، وما هو غير رسمي، وكلها يصعب سبر أغوارها والإحاطة بتفاعلاتها.

وربما أتجاسر وأقول: إن بعض رؤساء أمريكا قد حكموا ثم غادروا من دون أن يفهموا جيداً الدولة التي كانوا يحكمون!


إن أمريكا إمبراطورية شديدة الكثافة والتعقيد، وهي دولة المؤسسات بامتياز، ولكنها أيضاً دولة الأشخاص بكل تأكيد.


إن الرئيس الأمريكي ليس مجرد منفذ لخطة موضوعة، ولا هو مجرد موظف لدى الأجهزة والمؤسسات في بلاده، ولا هو أسير لدى الكونغرس والمنظمات والوكالات الحكومية، إنّه صاحب القرار الأول في البلاد، ورغم كل التوازنات التي كفلها الدستور، إلا أنه وحده يملك سلطة تفوق كل المؤسسات مجتمعة.

يمكن القول ببساطة إنه لولا أن الرئيس الأمريكي عام 1945 كان هاري ترومان، لما كان ممكناً إلقاء أول قنبلة نووية في التاريخ، وأنه لولا وجود جون كينيدي عام 1962 في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية لكان يمكن أن تنشب حرب نووية عالمية تنهي هذا الكوكب.

ولولا أن الرئيس جيمي كارتر كان مؤمناً بفكرة استخدام حقوق الإنسان كآلية للضغط على الدول، والتدخل في شؤونها الداخلية لما كانت حقوق الإنسان إحدى أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، ولولا أن الرئيس رونالد ريغان كان يؤمن شخصياً بفكرة إسقاط الاتحاد السوفييتي والعمل على ذلك، لكان مستحيلاً وقوع ما حدث.

كما أنه لو كان هناك شخص آخر في البيت الأبيض في أثناء أحداث 11 سبتمبر 2001، لربما كان هناك أداء آخر، ولما كان غزو العراق قد وقع، لقد كان ذلك قرار بوش الابن الذي لم يلقِ بالاً إلّا لمن عمل لأجل مشروع الغزو.

ويمكن القول كذلك إنه لولا الرئيس ترامب لما كانت الحرب التجارية مع الصين، والانسحاب من اتفاقية المناخ، ثم منظمة الصحة العالمية، وكذلك الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.

إن الرئيس - ورغم كل المؤسسات - هو المالك للحصة الأكبر من السلطة السياسية، ولا يمكن التعامل مع واشنطن من دون الرئيس حتى لو تم توثيق العلاقة مع جميع المؤسسات، وهذا ما لا يدركه بعض المحللين.