الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

العالم.. وتجنب الحروب

شهد العالم قبل أيام في أكثر من عاصمة أوروبية احتفالات رمزية في ذكرى توقيع اتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب العالمية الأولى في عام 1917، وهي ليست الذكرى المثالية التي تستحق الاحتفاء في ميزان الأحداث الكبرى التي شغلت القرن الـ20.

ذلك أن ما بعد تلك الحرب مهّد لمسار عميق وحتمي لقيام حرب عالمية جديدة، ولعل ألمانيا التي لم تحتمل دفع 132 مليار مارك فرضت عليها، إلى جانب شعور فرنسا بإمكانات التفوق وفرض الإرادة واحتلال إقليم الرور الألماني، مع التحولات السياسية الداخلية المتطرفة للأحزاب والتيارات الألمانية الجديدة، ومنها التطرف النازي، ومع سيادة أجواء فرضها انتصار الحرب الأولى، كل ذلك دفع إلى سوء تقدير في رسم سياسات دولية، وأوروبية خاصة تمنع انهيارات جديدة، ما لبث أن تفجّرت مع الحرب العالمية الثانية، وكانت أقسى أثراً من الحرب الأولى.

النظام العالمي الذي كان نتاج حربين عالميتين ما يزال يتجاهل حقائق جديدة في موازين القوى، ليست العسكرية أو الاقتصادية فحسب، وإنما القوى الجغرافية والقوى الفكرية العقائدية التي كانت كامنة لدى دول أو شعوب أو جماعات كثيرة، ولم تُحسن استخدامها قبل قرن في حين أنها حاسمة التأثير في القرن الحالي.


إذن ما معنى أن نستذكر اتفاق نهاية حرب عالمية إذا كان العالم قد فشل بعدها بسنوات قليلة من تدارك نشوب حرب عالمية ثانية؟ وما معنى أن يقوم العالم بتأسيس هيئة الأمم المتحدة، لتكون المكان الذي يلتقي فيه المختلفون من دول هذا الكوكب من أجل تفاهمات عميقة أو حتى نسبية، تكون صمام أمان قبل أن ينفرط عقد القوة والهيمنة بما يوحي بتحول مجلس الأمن إلى مجلس توافق مصالح ضيقة، فلا أحد يستطيع منع حرب إقليمية أو ربما شبه عالمية كالتي شنت على العراق عام 2003 من دون إجماع دولي رسمي، أو حتى المضي في مسارات قد تفجر حرباً جديدة عند سواحل الخليج بما يزيد من انفلات عاملَي قوة كامنين ليكونا حاسمين في موازين الأمن العالمي والتطرف والإرهاب، وهما العامل الجغرافي الذي لن تستطيع أية قوة حرب أن تنسجم معه إلا إذا أبيد الشعب الذي يعيش فوق تلك الجغرافيا.


كما أن تشكّل التيارات الفكرية المنتَجة تحت تأثير بيئة تخضع لعوامل القوة والتنافر ورد الفعل ستصب في صالح انفلات قد يصل على شكل هجمات انتقامية منفلتة، مثل شرار النار المنقذف من قنبلة انفجرت في مكان بعيد.