الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

إثيوبيا.. وخطر التفكك

إلى صيف عام 1983 تعود بي الذاكرة، لإعادة التأمل بحدث عايشته في «جبهة دندن» على تخوم الجبال الوعرة لإقليم الساحل القريب من أعالي البحر الأحمر في إريتريا.

كنا نأخذ قسطاً من الراحة تحت وطأة الحرّ الشديد مستظلّين بفيء أشجار الأكاسيا، وفجأة، ومن فوق قمم هضاب مرتفعة، انقضّت طائرة سوخوي تابعة للسلاح الجوي الإثيوبي، وبدأت بقذف صواريخها على طول وادٍ ضيّق، فعلمنا أن هجوم «النجم الأحمر» السنوي قد بدأ.

كان الهدف من هذا الهجوم هو تدمير المعقل الأخير للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا EPLF، وهو يأتي في إطار محاولة جديدة لسحق مقاتليها الحفاة.


وفي عام 1991، تم حلّ الجيش الإثيوبي واغتنمت «جبهة تحرير شعب تيغراي» TPLF المنبثقة عن الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، الفرصة لطرد منغيستو هايلي مريم من أديس أبابا.


إلا أن شهر العسل بين الجبهتين لم يدُم طويلاً، ففي عام 1998، شنّت إريتريا حرباً عبثيّة على حدود إثيوبيا أراقت خلالها كثيراً من الدماء ودامت عامين، ولم يتم التوصل إلى تسوية للنزاع بين البلدين إلا بعد 20 عاماً عندما تمكن رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد «آبي أحمد علي» من تهميش «جبهة تحرير شعب تيغراي»، وأطلق مبادرة سلام مع إريتريا بدعم فعّال من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ودفع الشعور بالإحباط بعض قادة تيغراي للعمل على تحضير وطنهم للانفصال، ويُعدّ هذا التطور مفاجئاً لأن إقليم تيغراي يمثل جزءاً أساسياً من تاريخ إثيوبيا، وما تزال مدينة «آكسوم» التاريخية، وهي العاصمة السابقة للإمبراطورية الإثيوبية، تفتخر بعظمتها وأمجاد ماضيها.

ففي القرن الرابع قبل الميلاد، كانت تسيطر على الطرق التجارية التي تمتد من البحر الأحمر حتى مرتفعات الحبشة، وفي عام 1884، قرر الإمبراطور «مينيليك» إقامة عاصمة جديدة هي أديس أبابا التي يعني اسمها باللغة المحلية «الزهرة الجديدة»، وهي قريبة من الأقاليم الجنوبية الجديدة التي تنتج أفخر أنواع القهوة وخاصة منها إقليم «كافّا»، وبهذا يمكن فهم سبب اندلاع الحرب القائمة حالياً على أنها تمثل ردّ الفعل الأخير لشعب تيغراي لشعوره بالتعرّض للاستغلال والنهب.

وهو أيضاً نتيجة لسياسة «التقسيم الإثني» التي أطلقتها «جبهة تحرير شعب تيغراي» تطبيقاً للشعار القديم «فرّق تسُدْ»، ولا يشكّل شعب التيغرين إلا 6% من أصل عدد سكان إثيوبيا البالغ 109.2 مليون نسمة (إحصائية عام 2018)، ولهذا السبب فإن اعتماد طريقة تقسيم الأقاليم بحسب التركيب الإثني كان يهدف لمجرّد ضمان تحقيق التقاسم العادل للسلطة والمكاسب بين الأقوام والمجموعات الإثنية التي تشكل الدولة الإثيوبية كلها، إلا أن ما حدث هو عكس ذلك تماماً، فلقد أدت هذه السياسة إلى شحن تلك الأقوام وتحريضها ضد بعضها.

والأمل معقود الآن على انتهاء هذا الصراع المرير والطويل وفق تسوية عادلة، تضع حداً لكل أنواع الظلم، والنهوض بإثيوبيا جديدة يسودها السلام والوئام والمساواة بين كل مواطنيها.