ما من شك أن العالم الرقمي اليوم أصبح واقعاً يخطو بخطوات كبيرة تجاه تشكيل التفاعلات الإنسانية حسب حركة إيقاعه، وإعادة صياغة اللحظة الزمنية الراهنة تبعاً لخصائصه وتفصيلاته، خاصَّة على المستوى المجتمعي.إنّ الظواهر الاجتماعية كغيرها، باتت اليوم من أكثر المتأثرين بهذه الموجة الجديدة المتسارعة، وقد انعكس ذلك على طرق وأشكال التعامل والتواصل الاجتماعي، فعدا عن رقمنة الحياة نفسها، غدا الناس مضطرين تحت وطأة هذه التطورات إلى التعايش معها والاستفادة منها، لكن ظهر هناك من يرفض أو يتخوَّف من هذه الموجات الرقمية الجديدة، باعتبار أن ذلك سيكون على حساب طبيعة حياة البشر وخصوصية علاقاتهم وفطريتها وتقاربها وتواصلها، حيث أضحت تُمارس في جزء منها افتراضيّاً وليس واقعيّاً.بالمقابل، يرى البعض أن مسألة التطور الإنساني المادي، قضيَّة مستمرة ولن تتوقف، ما دام العلم متواصلاً ولم ينتهِ، ومحكومة بسنن كونية وقوانين تاريخية ومحصلات طبيعية، وبالتالي فالتطورعندهم ظاهرة فكرية زمانية مكانية حركية متتالية، ومرتبطة في أبعاد مادية منها بالعلم، من هنا قال هؤلاء بوجوب القبول بمعطيات ذلك وتسارعاته، وبحسب رأيهم فإن ما يجري نتيجة منطقية ومتوقعة لمسيرة الحياة البشرية وتراكماتها، التي لن تجمد أو تتراجع، ولا بد بالتالي من الأخذ بإفرازاتها ونتائجها.على الطرف الآخر، هناك رأي يقول أصحابه: «إن الاعتراض والخلل ليس في التطور ذاته أياً كانت خصائصه ومآلاته، إنما الإشكال الحاصل هو ما يختص بالفكر والنمط الثقافي السياسي المتبني والحاضن له والمسيطر عليه»، وهي اليوم الرأسمالية الغربية المادية، والتي كما هو معلوم لها قوانينها وأنظمتها ومصالحها وحساباتها الخاصة، وهي لا بد أن تجيّر ما يحصل لصالحها، خاصة أن معظم الإنجازات العلمية والتطورات التقنية المعاصرة حصلت عندها، وبالتالي، فإن النزعة المادية والتجارية وغيرها، هي التي قد تدفع بهذا التطور إلى اتجاهات قد تؤثّر على مسار الحياة الطبيعية للمجتمعات البشرية، لا سيما أن من يصوغ ذلك ويشكّله ويقوده عالميّاً، قد لا يتوقف عند مخاوف الآخرين أو يهتم لاعتباراتهم أو يأخذ بها.الأمر اللافت هنا، هو تصور الكيفية التي ستكون عليها طبيعة الحياة الإنسانية، وتحديداً الاجتماعية منها بعد 50 عاماً مثلاً أو أكثر، خاصَّة في ظل التسارع الرقمي المذهل، وتغيَّر أساليب وأنماط معيشة البشر وشكل علاقاتهم، والأهم هو: كيف ستكون طبيعة نقاشات الناس وأحكامهم وقناعاتهم حينها؟
سايكس بيكو.. تركي - إيراني!

كاتب وصحافي وباحث سياسي يمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وعضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، عمل مراسلاً لعدد من الصحف العربية والدولية في اليمن، صدرت له تسع إصدارات أدبية وسياسية.
في كل ملف توتر في المنطقة تحضر تركيا وإيران، كمشروعين توسعيين جديدين، يستثمران بالأيديولوجيا والاتباع الطيعين الذين يقدمون انتماءهم الحزبي على مصالح أوطانهم وأمنها واستقرارها.
وبقدر ما يبدو منذ الوهلة الأولى كتنافس بين أنقرة وطهران على توسيع نفوذهما، مستغلين حالة الضعف العربي التي عملت التيارات الموالية لهما على تعميقها، إلا أن هذا التنافس يخفي نوعاً من التناغم في تحركات المشروعين، عبر اتفاق غير معلن شبيه بسايكس - بيكو الذي قسم الخارطة العربية لمناطق نفوذ للدول الاستعمارية القديمة.
وفي اليمن على سبيل المثال، تحوّل الصراع بين وكلاء المشروعين الإيراني والتركي إلى نوع من أنواع التماهي، والتفاهمات الخفية التي تسعى في حال لم يتم اعتراضها، لتمكين الحوثيين من شمال اليمن، ونقل الصراع بالتالي إلى المناطق الجنوبية المحررة التي باتت هدفاً لأجندة الإخوان، ومن خلفهم أنقرة التي يزداد حضورها المتدثر بعباءة النشاط الإغاثي والإنساني.
وليس ببعيد عن المشهد اليمني، يسير المشروع الإيراني في العراق وسوريا جنْباً إلى جنب مع المشروع التركي، ففي حين تهيمن طهران على القرار السياسي في بغداد ودمشق، تترك مساحة للمناورة في شمال البلدين للنفوذ التركي، وتحديداً في مناطق الأكراد.
وتبني كل من أنقرة وطهران استراتيجيات التوسع وفقاً لما تريانه اعتبارات تاريخية ومذهبية تجعل من تمددهما في العمق العربي، استعادة لإرث امبراطوريات غابرة، ففي حين تتمدد ايران في العراق وسوريا ولبنان وشمال اليمن، تضع تركيا أقدامها في ليبيا والصومال وشمال سوريا، وعيونها على دول عربية أخرى تعاني من مناخ صراع خلقته الأذرع الأيديولوجية الحالمة بـ«دولة الخلافة»، التي تبين في نهاية المطاف أنها ليست أكثر من اسم حركي لمشروع التوسع العثماني الجديد الذي يقوده رجب طيب أردوغان، باعتباره خليفة الانتهازية السياسية الحديثة في ثوبها الإسلاموي.
وبالتأمل مليّاً في خريطة القوى والتحالفات التي تعصف بالمنطقة عموماً، لا يبدو أن تركيا وإيران تلعبان بشكل منفرد، فثمة مشروع ثالث تتشكل ملامحه بشكل أوضح، وهو المشروع العربي الذي تقوده السعودية ومصر، وتشارك فيه بفاعلية دول أخرى مهمة مثل الإمارات.
وتشكل هذه الدول الثلاث ــ إن جاز التعبير ــ مثلثاً شبيهاً بمثلث «برمودا»، من حيث قدرته الفائقة حتى الآن، على ابتلاع كثير من مخططات المشاريع التوسعية الأخرى، التي تسعى للاستثمار في مناخ الفوضى الخلاقة.
وبقدر ما يبدو منذ الوهلة الأولى كتنافس بين أنقرة وطهران على توسيع نفوذهما، مستغلين حالة الضعف العربي التي عملت التيارات الموالية لهما على تعميقها، إلا أن هذا التنافس يخفي نوعاً من التناغم في تحركات المشروعين، عبر اتفاق غير معلن شبيه بسايكس - بيكو الذي قسم الخارطة العربية لمناطق نفوذ للدول الاستعمارية القديمة.
وفي اليمن على سبيل المثال، تحوّل الصراع بين وكلاء المشروعين الإيراني والتركي إلى نوع من أنواع التماهي، والتفاهمات الخفية التي تسعى في حال لم يتم اعتراضها، لتمكين الحوثيين من شمال اليمن، ونقل الصراع بالتالي إلى المناطق الجنوبية المحررة التي باتت هدفاً لأجندة الإخوان، ومن خلفهم أنقرة التي يزداد حضورها المتدثر بعباءة النشاط الإغاثي والإنساني.
بشار جرار
منذ 9 ساعات
فينيامين بوبوف
منذ 9 ساعات
وليس ببعيد عن المشهد اليمني، يسير المشروع الإيراني في العراق وسوريا جنْباً إلى جنب مع المشروع التركي، ففي حين تهيمن طهران على القرار السياسي في بغداد ودمشق، تترك مساحة للمناورة في شمال البلدين للنفوذ التركي، وتحديداً في مناطق الأكراد.
وتبني كل من أنقرة وطهران استراتيجيات التوسع وفقاً لما تريانه اعتبارات تاريخية ومذهبية تجعل من تمددهما في العمق العربي، استعادة لإرث امبراطوريات غابرة، ففي حين تتمدد ايران في العراق وسوريا ولبنان وشمال اليمن، تضع تركيا أقدامها في ليبيا والصومال وشمال سوريا، وعيونها على دول عربية أخرى تعاني من مناخ صراع خلقته الأذرع الأيديولوجية الحالمة بـ«دولة الخلافة»، التي تبين في نهاية المطاف أنها ليست أكثر من اسم حركي لمشروع التوسع العثماني الجديد الذي يقوده رجب طيب أردوغان، باعتباره خليفة الانتهازية السياسية الحديثة في ثوبها الإسلاموي.
وبالتأمل مليّاً في خريطة القوى والتحالفات التي تعصف بالمنطقة عموماً، لا يبدو أن تركيا وإيران تلعبان بشكل منفرد، فثمة مشروع ثالث تتشكل ملامحه بشكل أوضح، وهو المشروع العربي الذي تقوده السعودية ومصر، وتشارك فيه بفاعلية دول أخرى مهمة مثل الإمارات.
وتشكل هذه الدول الثلاث ــ إن جاز التعبير ــ مثلثاً شبيهاً بمثلث «برمودا»، من حيث قدرته الفائقة حتى الآن، على ابتلاع كثير من مخططات المشاريع التوسعية الأخرى، التي تسعى للاستثمار في مناخ الفوضى الخلاقة.
الأخبار ذات الصلة
ساتوشي إيكوتشي
منذ يومين
عبدالجليل معالي
منذ يومين
خلود الفلاح
منذ يومين
مصطفى طوسه
منذ يومين
عبد اللطيف المناوي
منذ يومين
سعيد الملاحي
منذ يومين
النقد ورد النقد
منذ يومين
مارك لافيرني
20 يناير 2021
د. نصر محمد عارف
20 يناير 2021