الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

إثيوبيا.. حرب من أجل الحياة

ليس من عادتي أبداً أن أتطرق لموضوع ما مرتين متتاليتين في مقالي الأسبوعي، إلا أن التطورات المفاجئة والسريعة التي تشهدها الحرب التي اندلعت في إثيوبيا، تستحق هذا الاهتمام.

ويكمن الدافع الآخر في أن الأبعاد الحقيقية للصراع الذي نشب بين الحكومة الإثيوبية المركزية والحكومة الإقليمية لشعب تيغراي ليست واضح المعالم بالنسبة لمعظم المراقبين والمحللين، فمجريات الحرب تطورت بطريقة تنبئ بقرب الانتصار السريع والحاسم للقوات الحكومية الإثيوبية في أرض المعركة، خاصة أنها تحظى بدعم ميليشيات «الأمهرا» و«الأورومو»، وهذا ما يبرر سقوط عدد كبير جداً من قتلى جنود شعب التيغراي في هذه المعارك المحتدمة.

هذا التطور يدفعنا لطرح سؤالين مهمين، أولهما: ما الذي دفع سلطات إقليم تيغراي لاتخاذ قرارها المتهوّر بالانفصال عن أديس أبابا؟ وثانيهما: ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟


منذ رحيل رئيس الوزراء الإثيوبي «ميليس زيناوي» عام 2012، رفضت «جبهة تحرير شعب تيغراي» عرضاً بتقاسم السلطة بعد أن حكمت لعقدين متتاليين ضمنت خلالهما الاستئثار بموارد البلد وثرواته، وعندما تم تعيين «آبي أحمد علي» رئيساً للوزراء عام 2018، والذي برز من داخل الائتلاف متعدد الإثنيات، بدا كأنه جاء ليختطف السلطة التيغرية وينتزع منها مناصبها النافذة وأعمالها، واضطر العديد من رجالات وكوادر الجبهة للانسحاب والعودة إلى إقليمهم ذي الوعورة الشديدة ليبدؤوا من هناك بالتحضير لإطلاق مواجهة عسكرية ضد الحكومة المركزية في أديس أبابا تهدف لإسقاطها ودفعها للانهيار.


والعدو الأشد لشعب التيغراي هم شعب «أمهرا» الذين يسكنون المناطق الواقعة إلى جنوبهم مباشرة، وهم يرتكبون الآن أبشع الجرائم في حق الفلاحين التيغريين الذين يصادفونهم في طريقهم أثناء اندفاعهم باتجاه الشمال، وهؤلاء الفلاحون التعساء هم أبناء اللاجئين السابقين الذين نزحوا إلى السودان في أعوام عقد الثمانينات، وعندما حققت جبهة تحرير تيغراي انتصارها عام 1991، منعت أبناء جلدتها من العودة إلى ديارهم السابقة، وأعيد توطينهم في أراض متفرقة من إقليم أمهرا، ولهذا السبب فإنهم يتحملون الآن نتائج غضب وانتقام قوم أمهرا.

كان من الطبيعي أن تسعى جبهة تحرير تيغراي لتجنّب وقوع كارثة حقيقية بسبب هذا التطور الذي يهددها، وعندما كنت أكتب هذا المقال، وصلتني دعوة من لوبي يمارس نشاطه في بروكسل للمشاركة في المصادقة على التماس موجه لكل الأطراف المتحاربة بتنفيذ وقف فوري لإطلاق النار والبدء بالتفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.

وهذه هي المرة الأولى التي أرفض فيها مثل هذه الفكرة، لأنها سوف تساعد جبهة تيغراي على كسب الوقت وتوجيه نيرانها نحو أجزاء أخرى من منظومة الاتحاد الإثني الإثيوبي الهشّ، إذ يبدو أن الوقت قد حان الآن لتنفيذ خطة رئيس الوزراء الإثيوبي «آبي أحمد علي»، التي تقضي بجمع كافة الأطراف والأقوام الإثيوبية على هدف إعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية الحبشية القديمة على أسس متينة تضمن تحقيق العدالة والمساواة بين الجميع.