الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

المرآة الأمريكية المُقعَّرة

في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي التقيت مرات مع البروفيسور سليمان نيانج، أستاذ الدراسات الإفريقية في جامعة هاوارد في واشنطن، وكان -رحمه الله عليه- عميق المعرفة، وشديد التواضع والبساطة.

حينها قال لي وهو يشجعني على الاستقرار في الولايات المتحدة: «إن الدول مثل المرايا، فهناك مرايا محدبة؛ يظهر فيها الفيل فأراً صغيراً، وهناك مرايا مقعرة يظهر فيها الفأر فيلاً».

وأكمل قائلاً: «انظر إلى محدثك، فأنا سليمان نيانج ولدت في دولة صغيرة جداً على نهر السنغال اسمها جامبيا، لو بقيت هناك لم يعرفني أحد، ولكن لأنني جئت إلى الولايات المتحدة، صرت أستاذاً كبيراً يعرفني كل من تخصص في الدراسات الإفريقية والتاريخ الإفريقي في العالم».


أمريكا هي أكبر مرآة مقعرة في الكون وقد يكون في تاريخ البشرية، النملة فيها تراها العيون في جميع بقاع الأرض، ولكن هذا لا ينفي حقيقة أنها نملة، والفعل الصغير فيها تتابعه جميع وسائل الإعلام في العالم ويهتم به الجميع، وكأنه يتعلق به مصيرهم.


انشغل العالم بالانتخابات الأمريكية، وترك كل مشاكله المحلية لتنصرف العقول لتحليل وتفسير إلى أين تتجه أصوات الأمريكان، الذين لا يعرفون عن العالم خارج أمريكا إلا النذر القليل.

وما أن بدأت تطمئن قلوب شعوب الأرض حول نتائج الانتخابات الرئاسية، حتى خرجت مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وبنفس الطريقة انشغلت وسائل الإعلام في العالم العربي، ومعها وسائل التواصل الاجتماعي بما جاء في مذكرات شخصية لرئيس ترك منصبه من 4 سنوات.

هناك شاغبني عقلي متسائلاً: ماذا لو كان باراك أوباما بكل ما يملك أو لا يملك من كفاءة ومهارة وقدرات بشرية رئيساً لدولة إفريقية؟ وماذا لو كان رئيساً لوطن أبيه كينيا؟ هل سيهتم به العرب مثلما اهتموا به الآن؟ إنها المرآة الأمريكية المقعرة.

الرئيس الأمريكي قد يكون في التحليل السياسي هو الأقل مهارة وكفاءة وقدرات عقلية من رؤساء دول كثيرة، لأن أمريكا دولة مؤسسات عريقة وقوية، تمتلك مؤسساتها أفضل العقول، وأقوى القدرات، وأحدث الأجهزة والإمكانيات، وأكبر الميزانيات، وهذه المؤسسات تدرس وتحلل وتستعرض البدائل والسيناريوهات، ثم تضع أمام الرئيس أكثرها تحقيقاً للمصالح الأمريكية، وهو ومعه فريق ضخم يختارون واحداً من هذه البدائل.

لذلك فإن قدرات الرئيس الشخصية لا ينبغي أن تكون عبقرية، وآراءه الشخصية ليست من خبير خطير، والمهم عادة في مذكرات الرؤساء الأمريكان هو الأسرار السياسية التي يتم الإفصاح عنها، وليس تقديراتهم الشخصية.