الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

إيران وإسرائيل.. حروف علة أعجمية

تتطلب اللغة الألمانية وقتاً طويلاً لإتقانها، نظراً لصعوبتها، بالأخص حروف الجر، التي لها قواعدها الخاصة مع المفردات البادئة بحروف علة يجب أخذها في الاعتبار، كونها شاذة عن باقي الكلمات، مثل: Iran و Israel، فكلتاهما تبدأ بحرف العلة، وكلتاهما أيضاً لها قواعدها في التصريف مع حروف الجر، ليس هذا فحسب بل كلتاهما قديمة، وكلتاهما تحمل أجندة دينية عتيقة، أو فكراً دينياً خاصاً.

حمّل الفكر الشيعي الإيراني هويته السياسية العرقية، واستعاد عرقيّة فارس المهدرة أمام الغزو العربي، وفتح فارس عن طريق هذا المذهب الشيعي الصفوي، الذي جعلته الدولة الصفوية 1501 مذهباً وهوية، واستعادت من تراث إيران القديم السابق على الإسلام، مثل الأساطير الزرادشتية، مجد فارس القديم بهوية شيعية، فما بكائيات الإمام الحسين رضي الله عنه في المسرحيات والطقوس الشيعية إلا صدى لقتل «إيراج» بطل إيران في الأسطورة القديمة، وما مقتل الأمير«سويوش» في ملحمة «الشاه نامه» إلا صدى للقصائد الكربلائية.

ولعلّ أهم العناصر اللاَّعبة في الفكر السياسي الشيعي للطبقة الحاكمة في إيران هو «مصلح المستقبل» «ساوشينات» في أسطورة فارس الذي سيأتي ليرفع المظالم، ويحيي الموتى، ويصلح العالم الخرب، ويعيد الحقوق لأصحابها بعد صراع مرير بين قوى الظلام وقوى النور.

وليس عسيراً على الفهم أن المقصود بساوشينات هو الإمام المهدي، الإمام الـ12 في سلسلة الأئمة الشيعةـ وما قائد الثورة الإيرانية الخميني وما تلاه من مرشد أعلى للثورة الإسلامية، إلا ظل لهذا الإمام، على هذا يكون لهم السلطة الدينية والروحية على الأمة حتى خروجه.

في المقابل تحتل فكرة الماشيح (المسيح) مساحة لا بأس بها في الفكر الديني اليهودي، وقد تجذّرت عبر عصور ومحن طويلة عاشتها الجماعة اليهودية في الشتات، إلى أن اعتمدها الحاخام «موسى بن ميمون» كإحدى دعائم الدين اليهودي الـ13 كما صاغها بن ميمون.

وتتقاطع الماسيحانية اليهودية والمهداوية الإسلامية في نقاط شتى أهمها: التصور للحاكم المثالي، فالمسيح اليهودي ملك أتى ليحكم العالم، ويرفع الظلم عن اليهود أوّلاً، ويجازي من أساء إليهم من الأمم.

وهذا الفكر الديني السياسي يعد أحد أسباب العداء ما بين إيران وإسرائيل وما يتوافق معها من بعض الطوائف المسيحية، أهمها: الإنجيلية الأمريكية.

ومن الإنصاف أن نشير إلى أن هناك انقساماً في الرؤى المسيحانية بين الجماعة اليهودية، أحدها يميل لتصور يشبه التصور المهداوي الشيعي في العنف، والدفع بإحداث تغييرات جذرية عنيفة في الشرق الأوسط، وآخر يهادن ويميل إلى التصورات الفلسفية عن «المسيحانية»، ويراها في إحداث تغييرات كونية تدريجياً من تغيير في منظومة القيم، وعليه تغييرات هائلة في الوعي الجمعي لدى البشرية كافة.

لعل ما تقدم يفسر لماذا فشلت كل محاولات العلمنة في الأديان الإبراهيمية، لا سيما في اليهودية والإسلام، ولماذا تقف إيران وإسرائيل كحروف «علة أعجمية».