الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

تونس.. شعبوية وإخوان

الاحتجاجات التي عمت أرجاء مختلفة من تونس، تعكس في جانب منها الوضعية الاقتصادية التي ترزح تحتها البلاد منذ سنوات، لكنها تمثل أيضاً تفاعلاً شعبياً مع عقم النظام السياسي.

فمثلاً، اعتصم شباب «الكامور» (محافظة تطاوين الجنوبية) في صحراء المحافظة وأغلقوا مضخات النفط، فهرعت الحكومة للتفاوض مع المعتصمين، ووقعت معهم اتفاقاً تعجز أي حكومة عن تلبية بنوده في وضعيات الرخاء الاقتصادي.

منذ تلك اللحظة تداعت الاعتصامات وعمت محافظات كثيرة، وأصبح كل اعتصام يغلق منطقة إنتاج أو نشاط اقتصادي للمطالبة بالتنمية وتوفير مواطن الشغل، وفي هذه الأثناء رحب راشد الغنوشي، في حوار تلفزيوني بث الأحد 8 نوفمبر الجاري، بالاتفاق بين الحكومة والمعتصمين، واعتبر أن من حق كل جهة الاستفادة من ثرواتها أولاً، ثم تقاسم ما زاد عن حاجياتها مع بقية الجهات.


قبل حوار الغنوشي وقبل موجة الاعتصامات، كانت الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد تقوم على شعار عنوانه «الشعب يريد ويعرف ماذا يريد»، وقُدّرَ يومها أن الشعار مخيف، وأن المترشح يغرف من إناء الشعبوية، ولكن تفاعل ظروف موضوعية وسياسية جعلت سعيّد يصل سدة الرئاسة.


التقت عوامل متشعبة لتوصل تونس إلى الوضعية التي تردت فيها اليوم، حيث هناك نظام سياسي ينتج تداخلاً بين السلطات، وشعبويّة استوطنت القصر الرئاسي، وحكومة تخرج من براثن المحاصصة الحزبية، وجماعة دينية، في شكل حزب، تهيمن على المشهد السياسي، وتفتقر للأفكار القابلة للتطبيق والبرامج الاقتصادية والاجتماعية.

محنة تونس اليوم نابعة من التقاء الإخوان والشعوبيين، بدعم مضمر من المهربين وأباطرة الاقتصاد الموازي، ومسار الاحتجاج المعطّل للإنتاج والمتطاول على الدولة سيتوسع كبقعة الزيت، تعززه الوضعية الاقتصادية، وتحفزه الخطابات السياسية التي تغازل الوعي الغريزي، لكن المخيف أن الاحتجاجات اتخذت لها أبعاداً جهوية ومناطقية وبدأت تنحت لها «شرعيّات» تنهش من فكرة الدولة، التي تهالكت في وعي الناس.

وصلت الاحتجاجات إلى مستوى يهدد وجود الدولة نفسها، ويهدد أرزاق الناس وحاجاتهم الأساسية، بعد أن ارتفع نسق الاعتصامات وطال أنشطة مختلفة، والحقيقة الساطعة اليوم هي أن الشعب هو ضحية حكومات انتخبها بنفسه، وضحية شعبوية غازلت حماسته لأغراض انتخابية، وضحية حزب إخواني لا يقيم وزناً سوى للبقاء في السلطة.

بين مطرقة الإخوان وسندان الشعبوية تسير تونس حثيثاً نحو الهاوية، ولن ينقذها سوى عقل سياسي يمتلك القدرة على تنظيف الصورة من شوائبها وإعادة رسم المشهد من جديد.