الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الروس والأوروبيون.. صراع مستمر

كانت العلاقات الروسية ـ الأوروبية، وعلى مدى حقب تاريخية كثيرة، ذات طبيعة صراعية وتنافسية حادة، أخذت أبعاداً وأشكالاً أيديولوجية وسياسية وعسكرية واقتصادية واضحة خاصة في التاريخ المعاصر، نجمت عنها حروب عالمية وصراعات داخلية، أدت في بعضها إلى تقسيم أوروبا، رافقها تشكيل للأحلاف العسكرية والتكتلات السياسية والمحاور العالمية.

اليوم، لا تزال روسيا ترى أن الغرب هو النموذج الخصم والمنافس لها، بينما تراها أوروبا شبحاً عسكرياً جاثماً على حدودها يُشكّل لها صداعاً مزمناً، ولا يمكن مواجهته دون أمريكا، لكن ما يهمنا هنا، الصراع الحاصل بينهما اليوم على النفوذ والسيطرة والمصالح، فلدى موسكو قناعة مفادها: أنّ الغرب الرأسمالي لن يتركها وسيحاول النفاذ إليها بكل الطرق، خاصة وأنّ الأمر قد انقلب ضدها، فبعد أن كانت تسيطر على النصف الشرقي من قارة أوروبا، يحاول الاتحاد الأوروبي اليوم وراثة جزء من التركة السوفياتية بضم بعض دوله المستقلة عنه، وهو ما يُغضب الروس، وكان آخر ذلك موضوع أوكرانيا.

موسكو، أرادت اليوم أن تخرج من عزلتها ومن الدفاع إلى الهجوم، عبر النفاذ إلى الساحات الدولية ومزاحمة الأوروبيين وغيرهم في كثير من المناطق والأقاليم والملفات، فمن أوكرانيا وسوريا وليبيا والبحر المتوسط والأحمر وإفريقيا إلى أرمينيا، ومن ملفات الطاقة والخطوط والأنابيب إلى الاتفاقيات والتكتلات والقواعد العسكرية، يحاول الروس تغيير قواعد اللعب والاشتباك المعمول بها وتشكيل مشهد من الصراعات والتحالفات الجديدة، والاستحواذ على جزء من الكعكة العالمية المسيطر عليها غربياً، وكل ذلك على حساب حصص الأوروبيين وخصماً من مكاسبهم، مستغلة مشكلات البيت الأوروبي بخروج بريطانيا وأزمات فرنسا المتلاحقة، وسياسة ألمانيا القائمة على الاحتفاظ بعلاقات مقبولة معها.


يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم تحقيق حلم القياصرة الروس سابقاً بالوصول إلى المياه الدافئة، عبر التمركز في الساحل السوري وربط البحر الأسود بالمتوسط من خلال القناة التركية وآخرها مشروع القاعدة العسكرية في السودان على البحر الأحمر، ما يجعل النقاط حتى اللحظة تُسجّل لصالحه على حساب أوروبا، فالتعاطي الروسي معها يقوم على الصراع والتزاحم، وهو كذلك مع الأمريكان لكن بالتفاهم أحياناً، وهذه هي إشكالية القارة العجوز.


لكن ما يؤلمنا حقيقة، أنّنا لا نزال ساحة اللعب الرئيسية لكل هذه القوى العالمية، فهل سيبقى أهل المنطقة ومنهم العرب مكتفين بدور المتفرج والتابع؟ وكم كان ممكناً للمشهد أن يتغير تماماً، لو أرادت بعض دول المنطقة التكتل والتنسيق بينها على أقل تقدير، للعب دور حقيقي في ساحاتها كما يلعب الآخرون؟