الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

فقدنا الدروب.. مع تجار الحروب

يقول العرب ذماً لشخص ما: إن فلاناً ثابت في الفتنة خامل في الجماعة، فهو عند الفتنة والشر ثابت ويتصدر المشهد، وعند الجماعة لا تكاد تراه أو تسمع له ركزاً.

مرّ سيدنا عمر، رضي الله عنه، بحشود من البشر يتجمعون حول شخص يؤخذ في ريبة، أي يقام عليه حد أو ما شابه ذلك، فأسرع رضي الله عنه الخطوة وهو يقول: لا مرحباً بتلك الوجوه التي لا نراها إلا في شر.

وتلك آفة عربية لا يكاد المرء يجد لها شفاء، وهي أن كثيرين جداً منا خاملون في الجماعة ثابتون في الفتنة، وهناك مُتربحون من الفتن ومتاجرون بالقضايا ويتعاملون مع مصير هذه الأمة كصفقات تجارية درت عليهم الملايين، وقد عانينا كثيراً من شعارات بلا مضامين، وكانت الغلبة دائماً والكلمة العليا لتجار الحروب، ولم يحدث يوماً ما أن كان هناك تضامن عربي أو مدّ قومي، ولكنها دائماً كانت عنتريات مزيفة جعلت من أصحابها أبطالاً شعبيين ملحميين وأضفت عليهم المهابة والقدامة المزيفتين، دائماً يعاني العرب عقدة البطل الشعبي الملحمي ولا تعنيهم الحنكة السياسية والزعامة العاقلة، وقد صنعوا من النكرات أبطالاً شعبيين وأعطوهم صفات مقدسة رغم أن كثيراً من هؤلاء أضاعوا الأمة بالتهور والحروب والصراعات العبثيَّة، وأدى الشجار بين الأبطال الأسطوريين إلى مزيد من الفتن والكوارث، وانتشرت جماعات الحرب والصراع حول هؤلاء الأبطال الأسطوريين، وتبادل العرب التقسيم إلى تقدميين ورجعيين، ثم إلى عملاء ووطنيين ثم إلى مؤمنين وكفرة، وظهر ما يسمى المد الديني كبديل، وفوجئنا بأن الأبطال الملحميين الذين لعبوا لعبة التقدمية واليسارية تحولوا إلى اللعبة الدينية، بينما هم لا يؤمنون بمد قومي ولا بمد ديني، والحكاية فقط أن الملاءة المالية قفزت إلى المعسكر الديني بعد أن جفَّت المنابع المالية للمد القومي والتقدمي، ولعب الإخوان لعبتهم القذرة وتلاعبوا بالدين وبمشاعر الشعوب المغيبة من أجل السلطة وطبعاً طعنوا في القوميين والتقدميين بوصفهم كفرة وعلمانيين، وانفضَّ الناس من حول مدعي التقدمية، واتجهوا إلى مدعي الإسلام والتدين.


وظللنا في مد وجزر حتى كان الخريف العربي، وقبله بسنوات كان الغزو العراقي للكويت الذي ضرب فكرة الأمة العربية في مقتل، وضاعت كل القضايا العربية، ويبدو أن العرب سيظلون يلدغون من الجحر الواحد ألف مرة ولا يتعلمون، فقد فقدْنا كل الدروب مع تجار الحروب!