الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

يا «مين يجيب» حبيبي..

في كتابه «مصر الحديثة» الذي لخص فيه تجربة مصر تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، والذي صدر بالإنجليزية عام 1916 في 1248 صفحة، في مجلدين، أورد اللورد كرومر تحليله لنفسية الإنسان المصري من خلال أغنية كانت منتشرة في زمانه، ولم تزل؛ لأنها من الفولكلور الشعبي.

واللورد كرومر من أكثر الشخصيات الاستعمارية شهرة، فقد تحكم في مصر في أخطر فترة من تاريخها تحت الاحتلال البريطاني، وأعاد تشكيل نظمها التعليمية والإدارية بصورة لم يفعلها غيره، فقد تولى منصب المندوب السامي البريطاني الذي يدير مصر حقيقةً رغم وجود الخديوي صورةً منذ 1882 حتى 1906.

في هذا الكتاب الذي صدر قبل وفاته بعام واحد، وضع اللورد كرومر خلاصة تجربة امتدت حوالي ربع قرن كان فيها الحاكم الفعلي لمصر، وأشرف على إعادة تشكيل كل شيء فيها، خصوصاً عقل الإنسان المصري الذي أولاه اهتماماً خاصاً، من التدخل في وضع مناهج التربية والتعليم بما فيها التربية الدينية، إلى إنشاء كليات تنافس الأزهر وتحل محله، مثل كلية الحقوق التي أنشئت 1886، وكلية دار العلوم 1872.


كان اللورد كرومر يستمع إلى مطرب مصري يردد لساعة جملة واحدة، بكل المقامات الموسيقية، ويتطرب في تكرارها بصورة أصابته بالملل، وكلما سأل عن الترجمة يقال له نفس الجملة: «كل حبيب بجنبه حبيبه.. وأنا حبيبي راح.. يا مين يجيب لي حبيبي.. ع الفراش يرتاح»، تعجب ذلك المستعمر المشغول بتخدير رعايا الإمبراطورية، وضمان طاعتهم ورضاهم بحكمها، وعدم ثورتهم عليها، وأعجبه ذلك المعنى الذي تتضمنه هذه الأغنية الطربية التي تعكس النفسية المصرية لانسجام المصريين معها، وتكرارهم لها، وانتشارها بينهم.


إنسان مصري يحتاج من يأتي له بحبيبه يرتاح بجواره على الفراش، هل من الممكن أن يثور على مستعمر، ويناضل من أجل أن يسترد حريته، واستقلال بلده؟ هذه هي الخلاصة التي خرج بها اللورد كرومر من تلك السهرة الفنية، ذهب إلى بيته مرتاحاً، سعيداً بذلك الشعب الذي يبحث عمن يأتي له بحبيبه، خصوصاً أن الحب حاجة إنسانية فردية، هي أعظم الحاجات العاطفية، وأرقى الوجدانيات الانفعالية، فهي تدفع الإنسان للثورة من أجل الحبيب، وأحياناً الموت.. فإذنْ ذلك المسترخي النائم كان ينادي في الناس باحثاً عمن «يجيب له حبيبه».

بعد مرور أكثر من قرن على وفاة اللورد كرومر ينتظر تنظيم الإخوان الفاشل أن يأتي لهم الرئيس الأمريكي «جو بايدن» بالحبيبة مصر ليحكموها ويمرحون في قصورها.