الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

زيارة السيسي لفرنسا.. خلفيات وأبعاد

تعدّ زيارة الدولة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لفرنسا هذا الأسبوع حدثاً مهماً، إذ تندرج في إطار تركيز البحث عن الوسائل المناسبة للحدّ من طموحات تركيا، وأخطار تدخلها في البحر الأبيض المتوسط وبعض الدول المجاورة.

لقد كشفت السنوات القليلة الماضية عن طموحات تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان في كل من ليبيا وبحر إيجه، وأخيراً في إقليم ناغورنو قره باغ، ثم ذهب بعيداً إلى حدّ التدخل في منطقة البحر الأحمر وشاطئ الصومال، وباتت أحلامه بإعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية البائدة والسيطرة على العالم الإسلامي مكشوفة وواضحة المعالم، وتطال حتى المسلمين المقيمين في دول الغرب كلها.

وتذهب طموحاته إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وربما تبلغ حدّ محاولة السيطرة على العالم، وهو يحاول لعب ورقة الدين بطريقة انتهازية أثناء تظاهره بأنه يقود الأمة الإسلامية، ويحلم باستعادة الهيمنة على المدينتين المقدستين مكة والمدينة وانتزاعهما قسراً من الأسرة السعودية الحاكمة، ويسعى لفرض أطروحات الإسلام السياسي بنفس الأساليب المنحرفة التي يروّج لها الإخوان المسلمون، إلا أن هذه السياسة التعيسة تفتقر لتأييد الغالبية العظمى من الشعب التركي، الذي يشعر أن بلده أصبح غارقاً في أزمات اقتصادية واجتماعية عميقة.


ويعتمد أردوغان في تحريك بيادقه، على الخلافات التي تعتري المجتمع الدولي، وهو الخبير في تأليب منافسيه بعضهم على بعض، مثلما حدث عندما عقد صفقة الأسلحة مع روسيا، وهو سلوك يتعارض مع سياسة دولة عضوة في حلف «الناتو»، أو عندما عمد إلى استغلال التغافل الدولي عن التدخل في سوريا وليبيا، وعندما أوعز لدولة أذربيجان باستعادة أراضيها في إقليم ناغورنو قره باغ، ولم يتوانَ مؤخراً عن توجيه الإهانات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على «الطريقة الترامبيّة» بهدف دفعه لارتكاب الحماقات ذات الأبعاد القاتلة في طريقة التعامل مع المسلمين المقيمين في فرنسا.


وربما تكون هذه المحاولة الأخيرة، هي التي دفعت ماكرون للانتقام منه، ودعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لزيارة باريس، حيث تحظى العلاقة مع مصر بأهمية خاصة في أوساط الرأي العام الفرنسي، الذي يشعر بقربه التاريخي منها ومن شعبها.

هذا البلد الذي يعيش في قلوب الفرنسيين، ليس مجرّد شريك تجاري أو عسكري، بل يمثّل قبل أي شيء آخر دولة مخلصة في صداقتها بعد قرنين من قيام العلاقات الحميمة بين البلدين في كافة المجالات، منذ «الحملة المصرية» التي قادها نابليون بونابرت في نهاية القرن الـ18.

وكائناً ما كانت حقيقة بعض المزاعم الرائجة كتلك التي تتعلق بحقوق الإنسان، فإن هذه الزيارة سوف تفتح من دون شك باباً جديداً للعمل، وسيتركز هدفها الأساسي على تنسيق الخطط بين فرنسا ومصر وحلفاء آخرين لإجهاض محاولات أردوغان لدفع بيادقه إلى الأمام، من المغرب إلى القوقاز، وفرنسا هي المزوّد الأساسي للجيش المصري بالأسلحة والمعدّات العسكرية، ولقد جاء الوقت المناسب لاستعراض هذه العضلات في الميدان.