الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أوروبا.. العودة من جديد

يجب أن تصبح أوروبا إمبراطورية مثل أمريكا والصين، هكذا تحدث وزير المالية الفرنسي عام 2018، في تلك الأثناء كان الرئيس دونالد ترامب يُشجع على تفكيك الاتحاد الأوروبي، ويلهم أحزاب اليمين المتطرف، ويُعيد النظر في التحالف الكبير الذي جمع ضفتَي الأطلسي منذ الحرب العالمية الثانية.

كانت القيادة الألمانية - الفرنسية للاتحاد الأوروبي قد باتت مدركة أن ترامب لم يعد حليفاً، وأنه يريد إسقاط أوروبا، كما أنه يريد الحصول على ثمن أكبر للبقاء في حلف الناتو.

لم يكن الصمت هو الخيار الوحيد أمام بروكسل، بل راحت برلين وباريس تتحدثان عن «الجيش الأوروبي الموحد»، وهو الجيش الذي أيدت مقترح إنشائه المفوضية الأوروبية، ثم كان التصريح الصادم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يضع أمريكا ضمن «الأعداء المحتملين» لأوروبا، وهو ما وصفه الرئيس ترامب بأنه «أمر مهين جداً»، ثم واصل ترامب مكايداً ماكرون: «إن العدو الذي ابتلع فرنسا فيما قبل هو ألمانيا وليس أمريكا، وإن فرنسا كانت قد بدأت في تعلُّم اللغة الألمانية، قبل وصول الجيش الأمريكي لتحريرها».


كانت أوروبا تدرك وهي تخوض نوعاً من «الحرب الباردة المحدودة» مع إدارة ترامب، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعمل لمصلحة ترامب في هذه المعركة، وأن التهديد المستمر من أردوغان لأوروبا، وصراخه المستمر على ميركل وماكرون، ما كان له أن يحدث من دون تأييد الرئيس ترامب، وحسب «ديفيد غاردنر» في الفايننشال تايمز، فإن «تركيا أصبحت الصداع الرئيسي الآخر لأوروبا».


قامت مصر بتأسيس «منتدى غاز بشرق المتوسط» وكان الهدف هو خلق آلية تفاوض وتفاهم حتى لا تتحول الثروة إلى نقمة، وتدق طبول الحرب بدلاً من أن تتدفق آبار الغاز، إنها آلية سياسية واقتصادية، ثم إنها قانونية لفض المنازعات بالرجوع إلى القانون الدولي وقانون البحار.

رفض الرئيس أردوغان دخول المنتدى، وراح ينقب وحده مخالفاً القانون والسياسة، وعلى الرغم من سخط مصر وأوروبا الشديد على ذلك الأداء، كانت حماية واشنطن لسياسات الرئيس أردوغان كبيرة.

لقد كان لافتاً للنظر أنه بمجرد فوز الرئيس جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، راحت أوروبا تُصعِّد الموقف ضد الرئيس أردوغان، وبدأ الحديث عن تطبيق العقوبات الأوروبية على تركيا، وجرى إعلان أسماء أشخاص وشركات تعمل في التنقيب غير المشروع عن الغاز في شرق المتوسط، ووضعها على لائحة العقوبات.

ولقد كان فوز الرئيس ترامب بمثابة حقبة الغياب لأوروبا، ثم جاء فوز الرئيس بايدن ليشهد عودة أوروبا، إن فوز بايدن لا يمثل تهدئة الحرب الباردة مع الصين فحسب، بل إنه يمثل نهاية الحرب الباردة بين أوروبا وأمريكا، وعودة مفهوم «الغرب» بعد أن انقسم الغرب في السنوات الأربع السابقة إلى شرق الأطلسي وغربه.

لقد غاب «الملهم الكبير» لليمين المتطرف الأوروبي، وعاد أصدقاء بروكسل إلى البيت الأبيض، لتبدأ أولى الحقائق الجيوسياسية في عهد بايدن: عودة أوروبا.