السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

التنجيم.. واستشراف المستقبل

استشراف المستقبل ليس وليد عصرنا الحاضر، وقد تكون فصول السنة والطبيعة أولى الأدوات التي مهَّدت للإنسان أن يستشرف المستقبل، وبعض الكتابات عند تناولها لاستشراف المستقبل تخلط بين كثير من مفاهيمها، ومنها من تتعامل معه بأسلوب التنجيم والأمنيات، بينما هو يعتمد على مجموعة من العوامل والظروف المؤدية لحدث ما.

هناك لَبْس لدى البعض بأن الخطط التي تضعها المؤسسات لتنجز مهامها على مراحلها القصيرة والطويلة هي من استشراف المستقبل، بينما هذه الخطط في حقيقتها سلسلة من التطورات المرسوم لها لتحقيق أهداف المؤسسة، فاستشراف المستقبل في حقيقته هو محاولة استكشاف حدث قد يقع نتيجة عوامل وظروف غير مخطط له من جانب المترصد له، ومحاولة استثماره أو تجاوز آثاره السلبية عند حدوثه.

ومن الأخطاء الشائعة أن يعتبر البعض الحدث المؤكد والمتفق من الغالبية على وقوعه من ضمن استشراف المستقبل، كما إن التطورات والإجراءات المؤدية لوقوع حدث ما نتيجة توفر كل عناصرها وعواملها لا تدخل في استشراف المستقبل، إلا في حالة استشراف ما وراء وقوع الحدث من نتائج يصعب توقعها ومحاولة إزالة الغموض عن ارتداداتها، وتتميز كفاءة شخص عن آخر في استشرافه المستقبل من خلال مجموعة من العوامل والمعطيات التي يضعها وتكون أوضح وأقرب لوقوع الحدث في المستقبل.

ومع تطور الحياة وتعقيداتها وتعدد أنشطتها المختلفة، تعامل البعض مع استشراف المستقبل كعلم يُدرس، وهذا أمر محمود يصقل المواهب، وينمي المهارات، ويرسم الخطوات العملية الصحيحة حتى لا يقع الشخص فيما يبعده عن الطريق الصحيح في استشراف المستقبل، إلا إن ذلك لا يخلق مستشرفاً للمستقبل ما لم يكن للشخص ملكات واستعدادات ذاتية تؤهله لذلك.

إن من أهم القدرات الذاتية للمستشرف سعة الأفق، والمقدرة على ربط العوامل والظروف المؤثرة في المستقبل، واستحضار الأحداث المشابهة، والتجرد من العواطف والأهواء، ولا يمكن للمداهن والمنافق أن يكون له نصيب من الاستشراف إذا وضع مصالحه الشخصية وميوله وأمنياته فوق الاعتبارات، التي يجب أن يتحلى بها المستشرف وفي مقدمتها أمانة البحث والاستشارة.

ورغم أن بعض الدول المتقدمة ومنها عربية، تعطي أولوية لاستشراف المستقبل، وتعتبر ذلك من ركائز أمنها الوطني ومستقبلها الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن بعض الدول العربية لا تزال تختزل نظرتها المستقبلية في تحقيق خطتها دون وضع الاعتبارات والمؤثرات الخارجية على مستقبل خطتها.