الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الشرق الأوسط.. العالم المرقّع

يشهد النظام العالمي تغيراً سريعاً، وتقع منطقة الشرق الأوسط في قلب هذا التغيّر، وقد أدت انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في السنوات الأولى من العقد الثاني، إلى تدمير الأنظمة القائمة التي كانت من مميزات الحكومات والمجتمعات الشرق أوسطية خلال العقود الماضية، وانقضى عصر الأنظمة الراكدة التي كانت سائدة قبل الربيع العربي، وحلّت محلها أوقات سادها التوتر والاضطراب، وقد لا تعود تلك الأنظمة أبداً، سواء اعترفنا بذلك أو أنكرناه.

وكان من أهم التغيرات غير المحبذة والبارزة التي طرأت على الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، الميل القوي لتكريس الفوضى ونشرها على أوسع نطاق.

وأصبحت الخريطة الجديدة للشرق الأوسط عامرة بالنقاط والبُقَع، وهناك مساحات من الأراضي تبدو كأنها رُقَع منفصلة بعد أن خرجت من نطاق السيطرة الفاعلة للحكومات المركزية، هذا إن كانت هناك حكومات قائمة بالمعنى الدقيق للكلمة.


وتُعرف هذه المناطق باسم «مساحات خارج السيطرة»، دون أن يعني ذلك أنها واقعة في حالة من الفوضى الشاملة، أو أنها غير قابلة للانضواء تحت مظلة سلطة ما.


ويحكم هذه المناطق الممنعزلة عن سيطرة الحكومات، متطرفون يربط بينهم الانتماء القَبَلي أو الطائفي أو الإقليمي أو القومي أو الديني، ومن الأمثلة عن تلك الجماعات، المتمردون الحوثيّون في اليمن والقوات الانفصالية الكردية في سوريا، وغالباً ما يمثل أمراء الحروب والتنظيمات المسلحة، مجموعات خارجة عن القانون في العرف الدولي، بالرغم من أنها تحقق عنصر الأمن للجماعات التي تحكمها على حساب تهديد الجماعات الأخرى.

وضمن تلك النقاط والبقع التي تعبّر عن مواقع الكيانات المحلية الحاكمة، يبدو أن أجزاء متناثرة من الأنظمة شبه الحاكمة بدأت في الظهور، وأنا أفضّل أن أطلق عليها اسم «العالم المبقّع» world patchworked باعتبارها تمثل مساحات تسيطر عليها حكومات مجزأة تديرها قوات محلية تتعاون مع قوى إقليمية ظهرت إلى حيّز الوجود، وتتميز بأنها أكثر استقراراً وعددها ليس كبيراً ولا يزيد عن 4 أو 5 بلدان على أبعد تقدير.

ولا شك أن إيران تُعدّ واحدة من تلك القوى الإقليمية التي تتحكم بجزء من الأنظمة الجديدة القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وهناك أيضاً تركيا، وهي قوة إقليمية ثانية تسعى جاهدة لاستعادة مكانتها القوية وأمجاد إمبراطوريتها العثمانية البائدة، وهي تعمل على نشر الخوف في مواطن جيرانها العرب، وتدفعهم للاصطفاف وفقاً لإرادتها، وهو ما قد يؤدي إلى انقسامهم إلى قوميات متنافرة.

وتحاول إسرائيل أن تلعب دوراً محوريّاً في ظاهرة إعادة الاصطفاف الإقليمية الجديدة، وربما تلجأ للتحالف مع بعض الجهات المؤثرة في المنطقة، ولكن، مع الخروج المبكر للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب وعائلته من المشهد الدبلوماسي الإقليمي، فإنه من غير المعروف إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة متابعة المسيرة والتأثير فيها؟ وإلى أي نهاية يمكنها الوصول بها؟