الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

جذوة التطرف.. والكيل بمكيالين

لعقود طويلة اختزل العالم مفاهيم العنف والكراهية ورفض الآخر بالمنطقة العربية، باعتبارها مصدراً لكل ما هو ضد الحرية، وتجاهل بقصد أو من دون قصد قوى التطرف التي تنتشر في الغرب، وتعامل معها من منطلق حرية التعبير والتنوع الفكري، دون أن يدرك أنه بذلك كمن يضع الثعبان في حضنه.

ما شهدته أمريكا مؤخراً دق ناقوس الخطر، ونبّه الجميع إلى ضرورة مواجهة الانحرافات الفكرية للعديد من جماعات اليمين المتطرفـ، التي ظلت لسنوات تسرح وتمرح في أوروبا وأمريكا دونما رادع، وبرغم خطورتها فإنه لا أحد تعامل معها بالجدية المطلوبة، على اعتبار أنها أولاً وأخيراً محكومة بقوانين وأنظمة تقيّدها في الواقع، إلا أن ما حدث أثبت عكس ذلك تماماً، فجذوة التطرف إن أُهملت فسيأتي يوم تحرق فيه الأخضر واليابس، ولن تعترف بقوانين أو أنظمة أو انتخابات ديمقراطية.

الأحداث التي شهدتها أمريكا سلطت الضوء على الخطر الذي تجاهله الغرب كثيراً، إذ كشفت التحقيقات الأمنية عن قلق شديد من احتمال تورط عدد من ضباط الجيش والشرطة الحاليين والمتقاعدين في واقعة اقتحام الكونغرس، الأمر الذي يَشِي بأن تيار اليمين المتطرف تمكن من التغلغل في أكثر المؤسسات حساسية، والتي من المفترض أنها تحارب التطرف.


العالم الآن أصبح مدعوّاً لإعادة حساباته والرجوع خطوة إلى الوراء، والتعامل مع الفكر المتطرف بمسطرة واحدة لا تفريق فيها، وعدم الاستمرار بالكيل بمكيالين، فبينما كانت دول عديدة في منطقتنا تواجه الجماعات التي تنشر الكراهية والتعصب، كان العالم يرى في ذلك انتهاكاً لحرية التعبير وحقوق الإنسان، متجاهلاً قلق هذه الدول ومخاوفها على سيادتها الوطنية وأمن مجتمعاتها.


العاصمة الأمريكية تحولت بين ليلة وضحاها إلى ثكنة عسكرية في مواجهة التهديدات المحتملة لجماعات اليمين المتطرف التي تعتنق أفكاراً إقصائية وكراهية مقيتة تجاه كل مَن يخالفها، ولعل السؤال الذي قفز إلى ذهن كل من شاهد تلك الحشود العسكرية في واشنطن، هو: ماذا سيكون رد الفعل العالمي لو حدث مثل هذا المشهد في منطقتنا؟ بالتأكيد ستكون الدول الغربية أول من يشجب التعامل الأمني مع المحتجين، حتى لو أحرقوا كل ما تصل إليه أيديهم!

بالمحصلة، نار التطرف لا تفرق بين طرف وآخر، ولا تُختزل بمنطقة أو ديانة، وعلى الجميع أن يتحد لرفض كل تطرف يمينياً كان أو يساريّاً، فالاعتدال والوسطية هما سبيل البشرية إلى التطور والعيش المشترك.