الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الانهيار من الداخل

تنهار الدول وتسقط الإمبراطوريات من الداخل أولاً، حين تنخرها عناصر الفساد والتحلل، حتى لو لم يكن ذلك واضحاً على السطح، وربما يكون الظاهر مناقضاً فتبدو معه الدول قوية متماسكة.

الاتحاد السوفييتي لم تدمره قنبلة نووية ولا هزته الصواريخ العابرة للقارات، بل تبدد تحت فساد بعض القيادات وتكلس أدوات العمل السياسي، والعجز عن تحقيق تطلعات المواطنين في الحياة الكريمة والفشل في تلبية مطالبهم الأساسية.

الآن تقف الولايات المتحدة في مهب رياح عاتية صدرت من داخلها، بلغت ذروتها يوم السادس من هذا الشهر، باجتياح العنصريين والفوضويين البيض لمبنى الكونغرس، ولا أحد يعرف هل ما جرى أمام وداخل الكونغرس كان الذروة أم بداية موجة أخرى لا يعلم مداها إلا الله.


ما يعنينا هنا، أن زمن اجتياح الدول من خارجها ولَّى، فقديماً كان في مقدور جيش إمبراطوري أن يجتاح بسهولة بلداناً مجاورة، وفي القرن الـ19 وجدنا الجيوش الاستعمارية تعبر البحار وتستولي على البلدان الآسيوية والأفريقية كلها تقريباً، بل وجدنا هتلر يستولي بسهولة على قسم كبير من أوروبا وتسلم الدول الكبرى له بذلك، لكن الآن بات ذلك غاية في الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، ولم يعد المزاج الإنساني يتقبل مثل هذه الممارسات، فالولايات المتحدة احتلت العراق سنة 2003، ثم ما لبثت أن غادرته.


منذ نهاية الحرب العالمية الثانية باتت الدول تُغزى وتُهدد بالأفكار، خاصة أفكار الديمقراطية والحريات، وصارت لهذه الأفكار قوة ذاتية، تنتقل وتتحرك وحدها، لها جاذبيتها الخاصة، ولا توجد دولة تستثنى من تلك الأفكار، بما فيها الدول التي تعد ذات تاريخ حافل في قضايا الحريات والديمقراطية، تحديداً فرنسا والولايات المتحدة.

طوال العام الماضي عانت فرنسا من احتجاجات أصحاب السترات الصفراء المطالبين بمزيد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وترنحت الولايات المتحدة أمام مقتل المواطن الأسود «جورج فلويد» تحت قدمي رجل شرطة أبيض، ففجر مقتل فلويد العنصرية الكامنة تجاه السود، في بلد الحريات والديمقراطية، وانتقل الغضب إلى عدد من الدول الأوروبية (الديمقراطية)، ثم جاءت أزمة اجتياح الكونغرس لتؤكد العنصرية والتطرف، فضلاً عن العنف والرغبة في التدمير، بنفس عقلية جماعة حسن البنا.. «نحكمكم أو نحرقكم».

الولايات المتحدة أمام اختبار صعب، فهل تواجه عوامل التدهور في الداخل أم تتجاوزها؟ وما سيحدث هناك سوف ينعكس على مناطق كثيرة في العالم، ومن بينها منطقتنا العربية.