الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

تونس.. الشارع وذُعر النهضة

اندلعت الاحتجاجات في تونس، فأُصيبت حركة النهضة بالذُّعر، وانطلقت قياداتها في إطلاق تصريحات مرتبكة لم تجرؤ على الذهاب إلى عمق الحدث، ولا إلى بحث الدواعي العميقة للاحتجاج الليلي الذي تحدّى الحجر الصحي، ولم تتواضع للبحث عن صلة تفشِّي الاحتجاجات بتردي الأوضاع.

الاحتجاجات الليلية كانت حدثاً كثيفاً بالدلالات والرسائل، أولها: أنها اندلعت في الذكرى العاشرة لثورة 14 يناير 2011، لتعلن أن الثورة لم تفِ بوعودها الاقتصادية والاجتماعية، وفشلت في تحقيق مضامينها، وثانيها: أنها نبعت من الفاعلين الشبان الذين تحدوا حظر التجوال وخرجوا للتنديد بالفقر وغياب التنمية.

في مقابل ذلك، فوتت الطبقة الحاكمة فرصة استخلاص الدروس مما يحدث، لتسارع إلى تبني مواقف تجتر القراءات الأمنية الرافضة للتخريب والعنف، ولجأت إلى قراءات كسولة تستحضر عقلية المؤامرة، حيث اتهم رفيق عبدالسلام، الوزير السابق والقيادي في حركة النهضة حزباً يساريّاً وقنوات تلفزيونية خليجية بتغذية الأحداث، واعتبر بعض قياديي الحركة أن الأحداث من تدبير الرئيس قيس سعيّد.


رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني، ذهب بعيداً حين قال: إن «أبناء حركة النهضة سيكونون في الميدان لحماية أمن التونسيين وحقوقهم وممتلكاتهم العامة والخاصة»، ما يعني الدعوة إلى مشاركة الدولة حقها في ممارسة العنف الشرعي، وما يعني أيضاً التأسيس لفكرة الميليشيات المدافعة عن مصالح أحزابها.


كانت اللحظة السياسية الراهنة فرصة لأن يراجع الائتلاف الحاكم دروسه، ويبحث الأسباب العميقة لاندلاع الاحتجاج في هذا التوقيت وبهذا التواتر، لكن أغلب المواقف النهضوية كانت تردد فكرة قوامها: أنه لا يمكن أن تقوم ثورة على ثورة، وهو ضرب من التملص من المسؤولية السياسية فيما يجري.

انفعلت الحكومة من تنامي الاحتجاج ولم تتفاعل مع دواعيه، وأصدرت كل الأحزاب بيانات متفهمة للاحتجاج، محذرة من التخريب، ومنادية بإيجاد الحلول.. وحدها النهضة كانت مذعورة، وذعرها نابع من منطلقات متصلة بمعينها الفكري القائم على تعظيم الانتماء ونبذ الآخر، ومترتب على تشبثها بالسلطة وانفصالها عن هموم المجتمع.

ومن ذلك ما يحدث من احتجاج منتظر وطبيعي، وحذرت منه وتنبأت به قراءات كثيرة، تبعاً لما تراكم من مقدمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لكن الأحزاب الحاكمة لم تكن معنيَّة بهذه التحذيرات، وصبَّت كل اهتمامها على تحصيل المزيد من المناصب، فتتالت الحكومات دون برامج، وتوالت التعديلات الوزارية دون دواعٍ وجيهة.

بهذا التعاطي الرسمي سيزداد الوضع تردياً، وسيستمر الاحتجاج ويتوسع، في حين ترابط حركة النهضة في مواقع ذعرها.