الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العراق.. خصومة مع الزمن

إن كنتَ عراقياً أصلاً أو لم تكن، وحيثما أنت اليوم في أيّ من بقاع الدنيا ضمن أنماط حياتنا المعاصرة، فبلا ريب أنت تنتمي حضاريّاً إلى العراق، سواء كان ذلك قبل نزول المَلَكَين «هاروت وماروت» ببابل أو بعده، وأنك أيضاً تنتمي في المعرفة والمعمار والقانون والثقافة والآثار، وفي جانب من التكنولوجيا، وحتى في رحلة الإيمان، وفلسفة الوجود، وعلاقات الحب، وعشق الجمال، إلى ميراث الحضارات العراقية الأولى التي صنعت تاريخ البشرية ومخزونها في الحركة والثبات، وهي بالتتابع ذهاباً في أعماق التاريخ، الحضارات السومريّة، والأكادية، والبابلية، والأشورية بعهودها الثلاثة (القديم، والوسيط، والحديث).

قد يسأل القارئ ما جدوى مثل هذا الكلام والعراق اليوم بعيد عن ميراثه الحضاري، ويسبح في بحور من الدماء، حيث الانهيار الكلي للجبهة الداخلية، ومصير أهله بأيدي غيره؟

الواقع أنه منذ عام 2003، حين قامت عليه حرب من عدة قوى دولية ظالمة، ولم تضع أوزارها إلى غاية الانفجار الأخير (21 يناير الجاري)، كان واضحاً أنه سيدفع ـ ضمن تراكم زمني للأحزان ـ ثمن بقاء بعض دولنا مستقرة، ويبدو أن الذاكرة العراقية الجماعية تدرك أنها في خصومة مع الزمن، تجليات ذلك في الصوت العراقي الحزين، حتى لو كان غناء أو ترتيلاً للقرآن.. فهو صوت دموي أحمر ـ إن جاز التعبير ـ متجذر في الزمن منذ آلاف السنين.


اليوم، وكأي عربي مزهوّ بالعراق في النصر والهزيمة، في السعادة والبؤس، في القوة والضعف، في زمن النور والعلم وأزمنة الظلمات والجهالة، وفي عمر السلم والفتنة، أرى أن هناك ثلاث قضايا لا بد أن تكون محل قناعة لدينا جميعاً لدرجة الإيمان، أولها: أن العراق عائد حضاريّاً مهما طال الزمن، وثانيها: أنه الثابت جغرافياً وما حوله متغير، وإن كان الواقع اليوم يشهد على عكس ما أقول، وثالثها: أن الدفاع عن العراق واجب علينا جميعاً، ليس رأفة بأهله، وإنما اعترافاً بفضلهم القديم علينا جميعاً، وبحاجتنا إلى دورهم في الحاضر، ولعلاقة ممتدة معهم في المستقبل، لأن عودتهم مؤكدة مهما تكالبت عليهم الأمم، وجار الزمان عليهم، أوخاصمهم.


لذلك كلّه، أقول: تعلقي بالعراق، ليس فقط لأننا فقدنا أحد جناحي الأمة، وإنما، كما قلت في مقالات سابقة: «إنه دائماً إذا سقط العراق انهارت الأمتان العربية والإسلامية، وخلال السنوات الماضية تطور الأمر إلى سقوط البشرية كلها على المستوى القيمي، والدليل على ذلك هو تبعات احتلال العراق، إقليمياً وقومياً وعالمياً».