السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أمريكا.. مؤسسات لا أشخاص

اعتقد بعض الناس ممن يجهلون الآليات التي تحكم دول القانون والمؤسسات أن الديمقراطية الأمريكية مهددة بسبب ممارسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الغريبة، إذ تصرف كأنه مستبد على رأس دولة من العالم الثالث، فقد رفض نتائج الانتخابات الرئاسية، وحرض أتباعه على الاحتجاج العنيف أمام مبنى الكونغرس، وغاب عن مراسم تسليم الرئاسة لخلفه الديمقراطي جو بايدن، التي هي تقليد أمريكي عريق، إلى غير ذلك من تصرفات شاذة.

بعض المستبدين في العالم أصبحوا يتهكمون على الولايات المتحدة الأمريكية، ويسخرون من تقديمها نفسها بأنها الراعي الأكبر لقِيم الديمقراطية في العالم، فهذه التصورات والأحكام الواهمة تدل على أن أصحابها لا يعرفون الأسس التي بُنيت عليها هذه الدولة منذ نشأتها، فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي نشأت ديمقراطية وقوة عظمى في الوقت ذاته.

أما الذين ينظرون إلى الأمور بعمق، ويتدبرون دلالات ما جرى خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة وما بعدها من سلوك شاذ لرئيس غريب الأطوار متقلب المزاج، فإنهم يدركون مدى رسوخ القوانين والمؤسسات التي تحكم هذه الدولة، فتلك الأحداث كلها تدحض تلك التصورات وتكشف زيف تلك الأحكام، فهي تثبت أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات لا دولة أشخاص، وهذا ما أعرب عنه جورج واشنطن أول رئيس أمريكي، حين قال: «نريد أن نبني دولة قانون، لا دولة أشخاص».


ففي أحداث العنف الأخيرة التي تعرض لها مبنى الكونغرس، واجهت المؤسساتُ الأمريكية محاولات ترامب لتغيير اللعبة المستقرة في النظام الديمقراطي، وأول من وقف ضده هم أقرب المقربين منه في الحزب الجمهوري وفي حكومته، بل نائبه مايك بينس، الذي قيل إنه ظل ساعات يفكر في عزل رئيسه قبل أن يعدل عن ذلك لأسباب تتعلق بالمصلحة الأمريكية العليا.


وقف ضد ترامب الكونغرس، والقضاء الأمريكي، وحُكَّام الولايات، وقادة حزبه، قبل الحزب الديمقراطي المعارض، واستقال كثير من المسؤولين الكبار في دائرته الخاصة وحكومته، ووقف الإعلام ضده، حتى وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب حظرت حسابه معتبرة إياه متمرداً على النظام والقانون، رغم أن تويتر خسرت في يوم واحد قيمة 5 مليارات من الدولارات من أسهمها بسبب ذلك، فهذا كله دليل على رسوخ الديمقراطية الأمريكية، وقوة المؤسسات التي تحكم هذا البلد.