الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تونس.. فوضى الحبال والنبال

ما إن تهدأ الاضطرابات في تونس حتى تعود من جديد بالمطالب ذاتها، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية نفسها، وهي التي كانت سبباً قبل 10 سنوات في إسقاط نظام زين العابدين بن علي، والفارق الوحيد أن النظام السابق كان المتهم الوحيد فيما اليوم الكل يتهم الكل، ويختلط الحابل بالنابل، فلا أحد يعرف مَن يصيد بالحبال ممن يصيد بالنبال.

التونسيون غارقون في براثن الفقر والبطالة والظروف الاقتصادية الصعبة، فيما الأحزاب والسياسيون منشغلون بتبادل الاتهامات وربط ما يجري من اضطرابات بهذا الحزب أو ذاك تارة، وبتدخلات خارجية تارة أخرى، في حالة من الإنكار غير المنطقي لما يجري في الشارع، فالكل يتحدث عن أجندات ومبررات وخفايا ومؤامرات، من دون أن يسأل أحدٌ من الطبقة السياسية نفسه: لماذا خرج التونسيون؟ وما الذي يريدونه؟

ما يحدث في السياسة التونسية أشبه بحلقة السيرك غير المنضبطة، فكل يغني على ليلاه، وتونس تغني على مَن يعيد للناس حياتهم وينتشلهم من الظروف الخانقة التي تُطبق عليهم، خاصة مع ما ألحقته جائحة كورونا وتأثيراتها بالاقتصاد التونسي، فانشغال الأحزاب التونسية بصراعاتها البينيَّة لم يُنتج إلا تراجعاً وتدهوراً للأوضاع، وبرغم تشكيل 12 حكومة (بثماني رؤساء حكومة) في 10 سنوات، إلا أن هذه الحكومات لم تكن أكثر من بؤرة لتصفية الحسابات، بدلاً من أن تكون فريق عمل للنهوض بواقع الحال ومعالجة الاختلالات.


الاختلاف السياسي وتعدد وجهات النظر ليسا شأناً تونسيّاً خالصاً، لأن أغلب دول العالم فيها من التجاذبات والصراعات السياسيَّة الكثير، ولكن ما يميز تونس عن غيرها هو عدم استعداد أي حزب للاعتراف بفشله وسقوطه شعبياً، وأن الناس ضاقوا ذرعاً بهذه الصراعات غير المجدية، فجميع الأحزاب تدَّعي تمثيل الشارع، وفي الوقت ذاته لا تريد أن تستمع إليه، أو تحاول على الأقل إيجاد حلول لقضاياه ومطالبه.


محصلة ما تشهده تونس اليوم تتلخص في أن مكونات الطبقة السياسية تتصارع لأهداف ومصالح حزبية وشخصية، وهي غير معنية بجدية وعدالة مطالب الشارع، لذلك فإن آخر ما تريده هو إيجاد مبرر منطقي لهذه الاضطرابات، التي لم تأتِ إلا نتيجة الفشل الذي لا يريد أحد أن يتحمل عواقبه، لا البرلمان ولا الحكومة، ولا الرئيس الذي يبحر في سفينته ويوجه قذائفها إلى الجميع، وكأنه يريد أن ينجو ويغرق الجميع من حوله، لعله يبني نظامه الذي يريده ويحبّذه.