الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

يجهلون التاريخ.. ويتجاهلون المستقبل

نفخر بعمق تاريخنا وامتداده؛ ولكننا نجهل القريب والبعيد منه، ولا ندرك سننه وقوانينه ولا نتعلم أو نستفيد من دروسه.. مأسورون نحن بالتاريخ ومحبوسون فيه، إلا أننا مقيدون مكبلون، معصوبو العيون، نعيش في سرداب التاريخ وقبوه، في أعماق أرضه، لم نرَ يوماً شمسه، حتى حين أشرقت شمسه على العالم، أمة من العميان المتكبرين، المتناقضين، غالباً يجهلون ما يتعصبون له، ويفخرون به، كأننا أمة من مشجعي التاريخ بجهالة، وتعصب مثل الألتراس الكروي.

نحن أمة تجهل تاريخها القريب قبل البعيد، تتعصَّب له دون فهم، ولا تتعلم منه ما يصحح حاضرها أو يرَّشد مستقبلها.

نحن أمة المستقبل بالنسبة لها يختبئ في جعبة العرافين والمنجمين، أو يتاجر به من يحذروننا ليل نهار من علامات يوم القيامة وأشراط الساعة دون فهم أو تفكير.. لا ينشغل العرب بالمستقبل، ولا يهتمون به، بل يتجاهلونه، والدليل على ذلك فراغ العالم العربي من علماء المستقبليَّات، أو مراكز دراسات المستقبل، أو فرق البحث التي تستشرف المستقبل.


لأننا لا نقرأ المستقبل الخاص بنا، ولا نهتم بالدراسات المستقبلية التي يعدها غيرنا، ننساق في تحقيق أجندة أعدائنا بأيدينا، تقوم بذلك جماعات سياسية انتهازية لا تعرف للوطنية معنى؛ تعيش في أوهام خيالية لم يشهدها التاريخ، ولا تصلح للمستقبل؛ تنساق لتفكيك أوطانها وتخريب مجتمعاتها، وتفكيك هذه المجتمعات، وإفقارها وتجهيلها، طواعية وعلى نفقتنا الخاصة، وبعد ذلك يخرج من الجماعات ذاتها من يحدثك عن المؤامرة على المجتمعات العربية.


وهنا يسأل الإنسان نفسه.. من يحقق هذه المؤامرة؟ ومن ينفذها؟ أليست هذه الجماعات المهووسة بالسلطة، المسكونة بوهم الخلافة في غير سياقها، المتعطشة للحكم والسيطرة؟ من لا يفهم المستقبل ولا يخطط له يقع في تنفيذ خطط عدوه الذي يفهم المستقبل وخطط له.

نحتاج إلى إعادة الاعتبار للعلم، للفكر العميق، لدراسة التاريخ، واستشراف المستقبل، نحتاج إلى أن تعود الجامعات لتكوين العقول المفكرة وليس تخريج الموظفين، والكتبة والحرفيين، نحتاج إلى أن نحترم مراكز الأبحاث وننشئ المزيد منها، وندفعها للتخصص، نحتاج إلى أن يعود الوقف لسابق عهده، وأن يتم استرجاع الأوقاف، لتحقق الاستقلال للعلم والعلماء، نحتاج إلى خريطة طريق للمستقبل، فقد ضاعت الأعمار في مرحلة التيه خلال العقود الأربعة الماضية التي كانت الأسوأ في تاريخ معظم المجتمعات والدول العربية.

لا يمكن التخطيط للمستقبل بدون فهم التاريخ فهماً عميقاً يكشف عن سننه وقوانينه، ويحدد مساراته المحتملة من الحاضر إلى المستقبل.