الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سطوة الشركات على العالم

تأسست شركة الهند الشرقية البريطانية عام 1600، واحتكرت تجارة الهند وجزءاً ضخما من مستعمرات التاج البريطاني في شرق آسيا، وكانت أقرب ما يكون للحاكم لهذه المناطق، فنهبت الثروات الطبيعية وفرضت الضرائب والعقوبات مُحتمية بالقوة العسكرية لبريطانيا العظمى، عن طريق تمويلها لبعض حملات الجيش البريطاني وشرائها لذمم بعض أعضاء الأحزاب في البرلمان البريطاني، فأصبحت هذه الشركة دولة عظمى تحت مسمى (شركة).

وبعد أن أصبحت مصائر الكثير من الشعوب (تحت رحمة ختمها) ومات ملايين البشر من الجوع (بجرة قلمها)، ظهرت عدة ثورات في مناطق شرق آسيا ضد سياسات وفساد هذه الشركة، وكادت أن تتسبب في انهيار بريطانيا العظمى بسبب محاولة ردع ثورات الشعوب، والتي كلفت خزينة التاج البريطاني أموالا طائلة، وفي النهاية تم إغلاقها.

شركات مثل فيسبوك و تويتر وتيليغرام وغيرها كانت في بدايتها تستند على قوة حكوماتها، ولكنها اليوم قوية بمعايير جديدة، فشركتا «غوغل» و«أبل» تستطيعان الوصول إلى أكثر من ثلاثة مليارات ونصف المليار من البشر من مستخدمي الأجهزة الذكية، وفيسبوك لديها مليارين ونصف مستخدم حول العالم، هذا العدد الهائل من المستخدمين جعل هذه الشركات لاعباً قويّاً على المستويين الثقافي والاجتماعي، بسطوة اقتصادية لم تكن لغيرها تاريخيّاً، فالقيمة السوقية لبعض هذه الشركات تتعدى ميزانيات الدول، وأرباحها متصاعدة باستمرار، كل ذلك جعل لهذه الشركات سلطة تتعدى سلطة الحكومات، فهي قادرة ماليًا وتكنولوجيا على الوصول للناس والتأثير عليهم.


واجهت نتفليكس اتهامات بتوجهاتها الشاذة والمتحررة والمؤثرة في ملايين البشر، ولكن لم يمنعها أحد، لأن ضغط الشركات على الحكومات أقوى، ولن تفيد معها الحملات الوطنية للمحافظة على ثقافة الشعوب والولاء للأوطان، فهي تستثمر في السيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة، والطائرات دون طيار، ويكفي أن رئيس شركة تيسلا، إيلون ماسك، أصبح أغنى رجل في العالم بثروة تقارب 200 مليار دولار.


كل هذا يشير إلى مدى قوة هذه الشركات، وفيما كانت في السابق تؤثر على الانتخابات والقوانين عن طريق اللوبيات السياسية، فهي الآن لا تحتاج إلى ذلك بعد أن استطاعت الوصول إلى الشعوب بشكل مباشر، فإن كانت هذه الشركات تمتلك المقدرة على تحدي الحكومات والتأثير عليها وهي في وضعها الحالي.. فكيف سيكون وضعها في المستقبل؟.