الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تونس.. وضع خارج السيطرة

خبر محاولة تسميم رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بصرف النظر عن تفاصيل الرواية وصدقيّتها، عبّرَ عن وصول الأزمة في تونس إلى أوجها، فالحدث لم يكن منفصلاً عن تسارع طَبَع أيام التونسيين منذ أسابيع.. احتجاجات عمت كل أرجاء البلاد، وخلاف عميق حول تعديل وزاري فُرض من قبل الائتلاف الحاكم، وموقف الرئيس الرافض للتعديل الوزاري، ثم تصويت البرلمان على تعديل تلفّه شبهات فساد طالت بعض الوزراء، ثم اعتداء رئيس كتلة ائتلاف الكرامة على عبير موسي.

الوضع المتردِّي وتوسُّع الهوة بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان، (الحكومة ليست سوى ميدان خصومة) يظل رغم أهميته هامشاً في متن الأزمة، إذ الأكبر هو قطيعة تتنامى بين السلطة وانتظارات الشعب، وهي قطيعة تُرجمت في الاحتجاجات الأخيرة بالدعوة إلى إسقاط النظام.

في عودة شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» مؤشر على أن الوضع في تونس بلغ منتهاه، لكن النظام الذي نادت الاحتجاجات بسقوطه ليس النظام بتعريفه القديم، بل هو البرلمان وحركة النهضة بالتحديد.


لقد نجحت النهضة في التسرب إلى كل مفاصل السلطة، وتوفقت في صنع تَمَاهٍ بين الحزب والدولة، وأثبتت بفزعها من كل معارضة، ومن كل احتجاج، أنها مذعورة من إمكانية إبعادها عن السلطة ولو بالطرق السلمية، على ذلك توجست من الاحتجاجات، وبحثت هنا وهناك عن ضالعين في تدبير «انقلاب» مزعوم لا يوجد سوى في العقول النهضوية.


كانت معركة الحكومة منذ إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ، وما صاحبها من محاولات نهضوية لفرض شركائها وتغيير هويتها من حكومة كفاءات إلى حكومة حزبية، قرينة أخرى على تحول النهضة إلى «النظام» الذي تتقصَّده الاحتجاجات، فمنذ عام 2011 كانت النهضة وراء كل مراحل هندسة الحكم في تونس، وإن تطلَّب ذلك عقد تحالفات هجينة أو ذوداً عن الفاسدين، أو تأثيماً للخصوم والمعارضين.

تخوض النهضة حربها ضد الرئيس واعية بعدم قدرتها على منازعته شرعيته الانتخابية، على ذلك تكابد من أجل التوسع في مساحاته الشعبية والسياسية وفي مجالات صلاحياته، وهنا تصبح رواية محاولة تسميمه مع أن النيابة العامة في تونس قالت: إن الطّرد المشبوه الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية لا يتضمن أيَّ مواد سامة أو خطرة أو متفجرة.

تقف تونس اليوم على تخوم الإفلاس والاحتراب، وبين احتجاج يضج بمطالب اقتصادية واجتماعية، وبين سلطة لم ترَ ضيراً في التهديد بالزج بميليشياتها ضد المحتجين، كان سعي النهضة وتوابعها إلى تأبيد البقاء في السلطة يعني تأبيد استمرار الأزمة، ويعني أيضاً الخوف المزمن من محاسبة قادمة عن سنوات الخراب.