الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

صناعة التخلف

التخلف آفة قبيحة ابتليت بها مجتمعاتنا، فقد أصبح ظاهرة سلبية مؤرقة، كما أن هناك أكثر من وجه يمكن أن نستدل به على ظواهر التخلف، ومن جانب آخر إن مساعدة صانعي التخلف من المتسلقين ومدعي المعرفة في كذبهم وافتراءاتهم، أو عدم التصدي للجهلة وعديمي التخصص وتزييفهم هو المشكل بعينه.

الشاهد أن الناس في بعض الأحيان يسهمون دون وعي في صناعة التخلّف من خلال عدة أمور، أهمها: تصديق ما يقال من محترفي الكلام، والتمهيد للمدعي بالخوض في ادعاءاته دون حد، المبالغة في تحمل تلك الزمرة من المتخلفين الذين يُغرقون الناس بتفاهاتهم.

إن غير المتخصص الذي يصر على الخوض في كل تخصص، يمكن أن نصفه بالمجرم لأنه يضلل الناس ويجعلهم ينحرفون عن الطريق القويم، فهو يعلم بأنه لا يعلم، بل يعلم بفظاعة ادعاءاته وافتراءاته، لكنه يصرُّ على الخوض في ما لا يعرف، بل إنه أحياناً يعلم بأن من يحدثهم قد يكونون أعلم منه أو أنه قد يعلم بأنهم يعلمون أنه كاذب!


حال المجتمعات العربية أصبحت عجيبة، فالعارفون يعودون إلى الوراء، والمدّعون في أول الصفوف، المدّعون ينشرون تفاهاتهم وأكاذيبهم على الملأ بشكل استفزازي، كأنهم يمسكون بقصبة العلم والمعرفة على مرأى ومسمع من ذوي الاختصاص والمعرفة.


لكن للتوضيح، فليس كل مدّعي كاذب جاهل، فعلى سبيل المثال لقب دكتور لا يبيح لك الحديث عن أي شيء، ففي البداية يجب أن توضح للناس أنت دكتور في أي تخصص - في أي مجال - فمن غير المسموح لك أن تأخذ الناس غدرا إلى أحاديث مضللة بدعوى أنك دكتور، بينما أنت تتحدث في غير اختصاصك.

بعض المجالس التي ارتدتها كان فيها عمدة للتخلف، ممن امتهنوا الكذب وتزييف الحقائق والتهويل والخلط بين الحقيقة والخيال، تجد ذلك العمدة يتجول في ذلك المجلس وينتشر مثل السرطان في سبيل نشر شائعات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة.

أساس المشكلة اليوم، أن البعض يسهم في صناعة التخلف من خلال السكوت عنه، وأحياناً الانصات لذلك المدعي هو الكارثة بعينها، فلا يجوز السكوت عن كاذب مضلل، فهذا السكوت ليس من المجاملات، لأنه ظلم وعجز وصناعة للتخلف.