السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

منعطفات أمريكية منتظرة

تُجمع مقالات متخصّصة في الشؤون «الجيوسياسية» على أنّ الولاية الرئاسية لجو بايدن ستكون امتداداً لسياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط، التّي ارتبطت بما يطلق عليه بالربيع العربي، وبسقوط أنظمة عربية محورية رافقتها رجّات عميقة مسّت الاستقرار التقليدي للدولة الوطنية في شمال أفريقيا، هذا يعني أنّ ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمنظور الأمريكي سيكون موضوعاً مركزياً في التدبير «الجيوستراتيجي» لبايدن في المنطقة، لأن مشروع ما وُصف بالفوضى الخلاّقة لم يحقّق أهدافه على النحو الذّي خُطّط له أمريكياً.

لذلك ستسعى إدارة بايدن على إتمامه باعتباره حسب جريدة «نيويورك تايمز»، وهي تتعقّب ما هو غير معلن في هذه الحملة، أنّ هذا المشروع يظلّ خياراً استراتيجيّاً لدى «الدولة العميقة»، التي وَعَت أخيراً خطأ العدول عن فكرة إتمامه ورفع اليد في تدبير الصراعات الكبرى في المنطقة زمن إدارة ترامب.

غير أن هناك وعياً حاداً بتغيير منهجية استعادة هذا المشروع وكيفية تنزيله بدون الوقوع في الأخطاء السّابقة.


لكن استحضاراً للتحوّلات الكبرى التي يعيشها العالم أثناء الجائحة وبعدها، ممثلة في الأزمة الاقتصادية التي لم تعرف أمريكا شبيهاً لها منذ انتهاء الحرب العالمية الثّانية، وتحلحل البناء الاجتماعي والسياسي، وانفجار النزعات الراديكالية التي عبّرت عنها انقسامات الشارع حول نتائج الانتخابات الرئاسية إلى أحداث «الكابيتول»، فرضت على استراتيجيّي السياسة الأمريكية، بتعبيرالخبير الأمريكي أنتوني كوردسمان، تبنّي منهجية منفتحة تعاكس المقاربة المنغلقة على مستوى التطبيق كما اعتمدها أوباما سابقاً، ومن مداخل هذه المنهجية خلق توازنات في ميزان القوى الداخلي في الشرق الأوسط بتوسيع وعاء التطبيع مع إسرائيل في إطار التزام أمريكي، وتخفيف الضغط على السلطة الفلسطينية، الهدف من ذلك تحييد إسرائيل سياسيّاً إزاء النزاعات العربية الداخلية، ثمَّ دفع المجتمعات العربية إلى المطالبة بكثير من الديمقراطية وحقوق الإنسان في سياق احتجاجي متصاعد، مُدبّر، ومُتحكم فيه عن بعد.


هذا يعني أنّه أصبح مفروضاً على أمريكا أن تغيّر من سياستها الخارجية، وأن تنتهج دبلوماسية الديمقراطيين المعروفة ظاهريّاً بليونتها في علاقتها بالعرب والمسلمين، وفي هذا الاتّجاه سيتحاشى بايدن أي حرب مع إيران حتى لا تختلط الأوراق في المنطقة وتشوّش على مشروعه الاستراتيجي، وذلك بإحداث تغييرات جذرية وتوافقية بخصوص الاتّفاق النووي الإيراني، حسب تصريح وزير الخارجية الأمريكية بلينكن.

ومن المرتقب دفع مسلسل الحوار الإيراني ـ الأمريكي برفع العقوبات الأمريكية وخلق هامش من الانفتاح غير الرسمي بينهما لتعزيز الثّقة في أهداف الحوار حول الملف النووي.

وبما أنّ منطقة شمال أفريقيا لها منطقها الذي يختلف عن واقع الشرق الأوسط، تعمل أمريكا مباشرة على تقوية المطلب الديمقراطي والحقوقي لدى شعوب المنطقة، وإدخالها في لعبة التناقضات والمناوشات بدون أن تسمح بحدوث حروب بين دولها، وإنّما بإنهاك الدول الوطنية فيها بإذكاء الاحتجاجات والتظاهرات والنفخ المبالغ فيه في شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو حادث اليوم في تونس.