الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

أفريقيا الوسطى.. ملتقى الطامعين

نادراً ما تحظى أخبار جمهورية أفريقيا الوسطى بالعناوين الرئيسية للصحافة العالمية، ومثلما هي حال دولة جنوب أفريقيا، فإن اسم «جمهورية أفريقيا الوسطى» لا يشير إلى أي صفة محددة ما عدا الموقع الجغرافي، إلا أن مواردها الطبيعية التي لا يمكن تقدير قيمتها الحقيقية مثل: مناجم الذهب والألماس واليورانيوم، تثير شهيّة الطامعين وأصحاب المصالح الأجانب.

خلال الأسبوع الماضي، أعيد انتخاب الرئيس «فوستين تواديرا» لولاية ثانية ضد منافسيه المترشحين للمنصب الذين بلغ عددهم 30 مرشحاً، وتبدو هذه العملية الانتخابية كأنها «نكتة» أو «مزحة ثقيلة» لأنها حدثت في بلد مزقته الحرب الأهلية للمرة الثانية، حيث لا تزال الفصائل المتمردة التي يقودها الرئيس الأسبق «فرانسوا بوزيزيه» تتحدى الحكومة الضعيفة التي تلقى الدعم والتأييد من المجتمع الدولي، إلى أن تم إجراء الاستفتاء في وقت كانت فيه الفصائل المتمردة عن الحكومة قد بلغت مشارف العاصمة «بانغي».

تذكّرني هذه الأوضاع التي تعيشها أفريقيا الوسطى بمهمة فاشلة قمت بها هناك، ففي شهر فبراير من عام 2014، كلّفتني منظمة إنسانية غير حكومية بمهمة الاستفسار عن الأوضاع الأمنية، والتعرف على أفضل الطرق لتوصيل المساعدات العاجلة إلى مستحقيها.


كانت هناك مجموعتان مسلحتان متصارعتان، تدعى الأولى «أنتيبالاكا»، وتتألف من مقاتلين مسيحيين تم تجميعهم من الأقاليم الجنوبية الغربية، لمواجهة المجموعة الثانية التي تدعى «سيليكا» وتتألف في معظمها من مسلمي الأقاليم الشمالية الشرقية، وفي منطقة كانت تدعى ذات مرة «بانغي الجميلة» وتقع على طول ضفاف نهر «أوبانغي» الرائعة. كانت الشوارع فارغة يسودها الصمت المطبق، فيما كانت الطواقم الأجنبية من الأطباء والممرضات تخاطر بحياة أفرادها لإنقاذ الألوف من المواطنين المسلمين المنكوبين بعد إعادة تجميعهم في معسكر، يعرف باسم «مخيّم الـ12 كم» الذي كان محاصراً بالكامل من ميليشيات «أنتيبالاكا».


وكنت أقضي الساعات الطوال في التحادث مع رئيس الأساقفة الكاثوليكي الشاب وزميله وصديقه «الإمام الأكبر»، وكانا يحاولان استكشاف الوسائل الممكنة لإحلال السلام بين الفريقين، والحفاظ على وحدة البلد، وبالرغم من صعوبة المهمة لأن جمهورية أفريقيا الوسطى تضم عدداً كبيراً من القبائل والأقوام، إلا أن الاصطفاف الديني كان ظاهرة جديدة تماماً.

لقد ظلّت الأقاليم الشمالية لعهود طويلة هدفاً لتجار العبيد الذين يأتون من تشاد والسودان، وكان «سلطان رباح» من أشهر تجّار العبيد في المنطقة إلى أن طاردته القوات الفرنسية من أجل تحقيق هدف محدد، وهو فرض العمل من دون أجور أو «السخرة» على السكان والذي لم يكن أفضل من العبودية.

عقب هذه الأحداث المريرة، انقسم السكان إلى مسلمين في الشمال ومسيحيين في الجنوب، وكلهم ينطقون لغة واحدة تعرف باسم «سانغو» Sango، وكان من الممكن أن يتحول البلد إلى دولة لو لم تواصل فرنسا الاحتفاظ بعملائها الذين كلفتهم بنهب ثروات البلد، ودوليّاً تعمل روسيا الآن على منافسة الدول الغربية والصين للفوز بجزء من ثروات هذا البلد الغني.