الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«كعب أخيل» العربي

اختلاف عناصر ومكونات المجتمع قد يكون مصدر قوة بالقدر نفسه الذي يمكن أن يتحول إلى مصدر تفجير للمجتمعات من داخلها، وليس هناك تناقض بين كون جسد المجتمع نسيجاً واحداً متجانساً، وبين أن تكون عناصره ليست متماثلة أو متشابهة. وإذا تحوَّل الاختلاف إلى تناقض فسيبدو الجسد كأنه اختُزل إلى «كعب أخيل»، أو لم يبقَ من الجسد سوى الكعب الذي يُضرب به المثل دائماً بالضعف، ومنه وبسببه سقط البطل «أخيل».

سوف يظل الأدب الإغريقي أحد المناهل المهمة في تاريخ الإنسانية، كما أن العديد من قصصه ستظل صالحة لوصف حالة نعيشها في أي زمن.. تلك الحكايات الجميلة الشائقة في أساطير الحب والجمال عند الإغريق مثلاً، أو تلك الملاحم العظيمة مثل الأوديسة والإلياذة اللتين ترجمهما «دريني خشبة».

لقد تحدث هوميروس في الإلياذة عن ذلك البطل الأسطوري «أخيل»، البطل الذي لا يُقهر بسبب قوته الخارقة، لأن أمه أمسكته من قدمه، وغمرته في نهر الخلود، ما أعطى جسمه قوة خارقة، لكنها خشيت عليه من الغرق فأخرجته بسرعة قبل أن يلمس الماء كعبه، ليصبح نقطة ضعفه الوحيدة، ومنها قُتل، وهكذا بات كعب أخيل مضرب المثل حول نقطة الضعف القاتلة لأي شخص وأي مجتمع.


أعود لأتحدث عن الجسد العربي بمجتمعاته، التي ظللنا نحلم دوماً بقوتها وخلودها وقدرتها على التحدي، ولكننا استسلمنا بأيدينا وبرغبتنا المستقلة في ترك الكعب ليسيطر على الجسد، حتى كاد الجسد يتحول إلى كعب.


أستحضر هذه القصة بمناسبة ذلك الذي نشهده في مجتمعاتنا العربية، داخلها وبين بعضها البعض، حيث نجد مجتمعاً قرر، باختياره ومحض إرادته، أن يحول أحد العناصر الذي كان من الممكن أن يكون عنصر قوة، ليتحول إلى عنصر ضعف، وأقصد بذلك الاختلاف بين عناصر المجتمع، عندما يتكون المجتمع من أكثر من عرق أو أكثر من ديانة، أو أكثر من مذهب أو ملة، إذ يمكن لهذه الاختلافات في المفهوم الإنساني العام، أن تكون أحد مصادر القوة للمجتمع، وذلك لتنوع المصادر الحضارية والثقافية في بنية هذا المجتمع.. يمكن لنا أن نكون كذلك، ويمكن لنا ألا نكون، وهكذا تتحول نقطة القوة في الجسد وتتحول إلى امتداد لكعب أخيل.