الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

رسائل «قيس سعيّد» الرمزية

أن يدعو الرئيس التونسي قيس سعيّد خصومه، والنهضة في صدارتهم، إلى أن يتحاكموا أمام الشارع، وأن يصرَّ على عدم أداء اليمين الدستورية التي تخول للحكومة ورئيسها التحول إلى وزراء فعليين، وأن يرفض مبدئيّاً، في تصريحاته كما في أفعاله، استيلاء النهضة وتوابعها على الحكومة، فهي علامات، تؤكد أن دور الرئيس ليس رمزيّاً مثلما غمز بذلك راشد الغنوشي، زعيم النهضة، متفاخراً انطلاقاً من قراءة متسرعة للدستور، وهو الملعب الذي يعرف سعيّد كل شعابه.

قرأ سعيّد الدستور بلغته التي كُتبَ بها، ورابط في تأويلاته التي قدّر خصومه أنها «سلفية» (للمفارقة)، ولذلك واظب على توجيه رسائل حادة للائتلاف الحاكم، «النهضة، وقلب تونس، وائتلاف الكرامة»، وكان تركيزه على مبدأ محاربة الفساد مُحرجاً للأحزاب الحاكمة، ومطرباً لعموم التونسيين، في آن.

برفضه أداء اليمين على تعديل حكومي يضم وزراء تحومُ حولهم شبهات فساد، نقل سعيّد الورطة إلى خصومه.


تدرك النهضة اليوم أن افتكاك رئيس الحكومة، هشام المشيشي، من مدار قرطاج، أسفر عن أزمة دستوريَّة حادة، وتعي النهضة أيضاً أن الانسداد الحاصل لا فكاك منه سوى باستقالة الحكومة أو بالركون إلى لاءات سعيّد، وهي «لاءات» ليست في صالح النهضة، ولن تقلّص من آثارها حملات التشويه التي تطلقها صفحات نهضوية دأبت على استعداء سعيّد.


الخطوات التي يقوم بها سعيّد، بدءاً من رفض التعديل الوزاري منذ الإعلان عنه، مروراً بإصراره على عدم أداء اليمين، ثم نزوله إلى الشارع، حيث سمع هتافات تدعوه إلى حلِّ البرلمان، وصولاً إلى تصريحه الأخير بأنه ليس مستعدّاً لأن يتراجع عن مبادئه، تشير إلى أنه يلعب كل أوراقه الدستورية بكل ما أوتي من صلاحيات.

رفضت النهضة أن تستمع إلى لغة الشارع في الاحتجاجات الأخيرة، وأثّمت كل أنواع الاحتجاج بدعوى أنه من ضروب التخريب المدفوع من أعداء الداخل والخارج، لكن سعيّد عاد إلى الشارع في حركة رمزيَّة أحرجت خصومه، وكأنه يتحدى الطبقة السياسية في عدم قدرتها على التواصل مع الشارع المحتقن ضدها، لكن تلك الطبقة التي تدير ظهرها عن مشاغل التونسيين تعتبر على لسان الفاعل الأول، راشد الغنوشي، أن دور الرئيس رمزي في العملية السياسية القائمة.

الرئيس قيس سعيَّد كان حريصاً على حركاته الرمزية، لكنه أثبت أنه يمتلك ثقلاً يمكّنه من معالجة الاختلال الحاصل في التوازن السياسي الراهن.. لم يكن سعيّد رئيساً رمزيّاً، بل توصَّل إلى أن يُعرّي «احتيال» طبقة سياسية استمرأت العبث بمستقبل التونسيين.