الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

غَلوة.. وأوقيّة

لم يخطر يوماً على بال أيّ سوريّ أن تتحوّل به الحال إلى ما هو عليه اليوم من فقر وحرمان وفقدان لأبسط مقوّمات الحياة، والسوريون اليوم يعيشون أسوأ ما يمكن تصوره بعد حرب باتت على أبواب عقدها الثاني من الزمن، فبعد أنْ حصدت الأرواح والأرزاق، وعقب حرقها الآمال والطموحات والأهداف، ها هي اليوم تمتصّ ما بقي من أكباد شعب باتت على أعتاب الجفاف التام.

سوريا اليوم تُعدّ من أكثر الدول فقراً في العالم، بل إنّها باتت من الدول المتربّعة على عرش هذا التصنيف، فبحسب بيانات موقع «World By Map» في نشرته لعام 2020، فإنّ سوريا تتصدّر المرتبة الأولى عالمياً من حيث الفقر بنسبة 82.5% من السكان تحت خطّ الفقر، كما أنّ ما يقارب النصف من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي.

نِسب لا تزال تتصاعد وترتفع يوماً بعد آخر، لا سيّما بعد العقوبات الصارمة والحصار المنيع المفروض على البلاد، وهو الأمر الذي لا يعاني منه إلا المواطنون، والذين يدفعون ثمنه دماً، إذْ باتوا أمام واقع مرير، فلا مقوّمات للحياة ولا فرص عمل، وإذا وجد الواحد منهم عملاً فالأجر بخس لا يكفيه خبزاً، فمتوسط دخل الموظّف لا يتجاوز 20 دولاراً شهريّاً، في حين أنّ ثمن الكيلوغرام من الشاي يتجاوز اليوم 10 دولارات.


مقاربة فجّة ومفارقة مبكية، فالسوريون من الشعوب التي لم تتخيّل يوماً أنْ تبلغ بها الحال لما هو عليه الآن، فسوريا تتميز بكونها متكاملة الثروات والموارد، فهي بلاد نفطيَّة وزراعيّة وسياحيّة وتجاريّة وصناعيّة، ولكنّها اليوم محرومة من كلّ تلك الموارد بالحرب أو بالحصار.


ليست الحال اليوم بهذا السوء الموصوف وحسب، بل أشد سوءاً، فالسوريّ الذي لطالما كان حريصاً في منزله على إفرادِ غرفة فيه يسميها «بيت المونة» يترعها بما يحتاج إليه من أساسيات الحياة تكفيه لعام كامل، بات اليوم بلا منزل أو حتى غرفة تقيه برد الشتاء وحرّ الصّيف، وبدلَ بيت المونة المملوء بكلّ مواده الغذائية الرئيسية، يقف أبناء هذا البلد في طوابير طويلة على أبواب المؤسسات والجمعيات الاستهلاكية من أجل غَلوة قهوة أو شاي، أي ما يكفي لإعداد فنجانين أو ثلاثة من القهوة ومثلها شاي، ومن أجل أوقيّة لحم أو أرزٍ تسدّ رمقه، وهذا ما لم يعتادوا عليه من قبل.