الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كورونا.. هل يعيد العالم إلى رشده؟

رغم حالة الانكفاء القومي التي أفرزتها جائحة كورونا في بدايات تفشي المرض، إلى الدرجة التي يمكن معها وصف السياسات التي انتهجتها بعض الدول بسياسة: «أنا ومن بعدي الطوفان»، فإن الواقع أثبت وبطريقة واضحة أنه ليس بالإمكان السير في هذا النهج، الذي ستكون نتائجه أكثر كارثية.

صدمة كورونا المفاجئة كانت أكبر من القدرة على الاستيعاب الفوري، وكان التعامل معها شبه ارتجالي وغير مدروس العواقب، بحيث دفعت الجائحة العالم إلى النظر تحت قدميه، وبدا الأمر وكأن العولمة والتعاون الدولي والمنفعة المشتركة في طليعة ضحايا الوباء، وأن الدول ستشهد حالة حادة من النزوع إلى الانعزال والتراجع إلى الداخل الوطني، دون أي اعتبارات لما يدور في الخارج.

اليوم وبعد استيعاب الصدمة، استفاقت الدول على حقيقة ثابتة، هي أن العالم معقد ومتشابك ولا يمكن فض هذا الاشتباك وتبني سياسة الانكفاء القومي، فالتحديات التي تواجه البشرية أعمق وأكثر ترابطاً، ويستحيل معها ضمان أمن وسلامة أي دولة، بمعزل عن التعاون والتكامل والتبادل مع بقية دول العالم.


نشوة النصر التي سيطرت على البعض في البدايات سرعان ما تكسّرت على صخرة الواقع، الذي فرضته متطلبات العولمة، فلا أمن اقتصاديّاً أو صحيّاً من دون تعاون الدول وتضافر جهودها، وسياسات الإغلاق لن تؤدي إلا إلى قطع سلاسل التوريد وفي مقدمتها الإمدادات الطبية، وتدهور الاستثمارات العالمية المشتركة وما سيفرضه ذلك من قفزة هائلة في نسب البطالة حول العالم، وتضرر الطبقة الوسطى بشكل يزعزع الأمن الاجتماعي.


الجائحة أثبتت بتداعياتها أنه لا بديل عن التحالفات الإقليمية والدولية، وتنسيق السياسات الاقتصادية وتقوية التجارة الدولية، بحيث تكون أداة من أدوات السلام والأمن الصحي والاجتماعي المشترك، والعمل على مواجهة التحديات المقبلة، فالعلم يقول: إن الأوبئة لن تنتهي، وإن القادم قد يكون أخطر بكثير من فيروس كورونا، وعلى الجميع الاستعداد لذلك عبر منظومة قيم دولية تضمن سلامة وأمن الجميع دون تمييز أو إقصاء.

باختصار، فإن جائحة كورونا ورغم تداعياتها السلبية، قد تكون الفرصة التي تعيد العالم إلى رشده، وتجعله أكثر تعاوناً وتكاملاً، إذ لا توجد دولة اليوم قادرة على العيش بمعزل عن بقيّة الدول، والتحديات والأخطار قادرة على التسلل إلى جميع الدول بغض النظر عن صرامة وقوة إجراءات العزل والإغلاق.