نظراً لأن الانتماء الاجتماعي هو ترابط بين الأفراد الذين يتشاركون في واقع اجتماعي تم إنشاؤه بواسطة طرق التفكير والشعور والحياة الخاصة بالمجموعة التي ينتمون إليها، فإن الانتماء إلى العالم المستوحى من هذه الفكرة الإجرائية، يمكن اعتباره استراتيجية لتكريس مفهوم المواطنة العالمية في المستقبل القريب.وفي هذا السياق، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمته حول السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة أنها عادت إلى العالم بضرورة العيش في انسجام مع الطبيعة البشرية، التي تميل إلى تلبية واستخدام العقل لتحسين الظروف المعيشية وحياة الناس، وما يحسن أحوالهم وظروف الآخرين على حد سواء، فرفاهية بلاده تعتمد على خلق مجتمعات عادلة ومستقرة.المواطنة العالمية عكس الانقسامات، هذا يعني أن الانقسام بين «الذات» و«الآخرين» الذي أوجدته حضارتنا المعاصرة يقترب من الموضوع من وجهة نظر مبسطة تضلل الواقع، لأنه يخلق صداماً لا أساس له بين المصلحة الفردية ومصالح المجتمع، بدلاً من النظر إلى المجتمع بكونه وحدة تعاونية متكاملة.بهذا الخطاب، يحاول بايدن إعادة فتح العقلية المنغلقة التي أثارت سابقاً نشر الذعر والخوف من الآخرين لمجرد أنهم «آخرون»، وفي تلك الأوقات التي شهدت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود التيارات اليمينية المتطرفة بتصوراتهم عن الفردية والسعي إلى تحقيق أهدافها من منطلقات مُسلّمة.في هذا الإطار، لا تلغي فكرة المواطنة العالمية الخصائص الفردية لكل فرد، ولا تتطلب من الفرد الانفصال عن نفسه لصالح الذات الجماعية والعكس صحيح، فكَّر بايدن بالحديث في رؤيته للعلاقات الدولية التي يدافع فيها بشكل مباشر عن حرية الإنسان واستقلاله، وفي هذه الأوقات العصيبة، ولسان حاله يقول: إننا جميعاً نعيش على نفس الكوكب، ومصيره يعتمد علينا جميعاً.ولا يتحقق هذا المجتمع إلا إذا أدركنا أن مصالحنا العامة واحدة ومشتركة، إذ تقول إحدى البديهيات الأخلاقية التي تحكم العديد من النظريات في العالم الحديث إن هناك صراعاً مبدئياً لا مفر منه بين الإيثار والأنانية.الرؤية التي أراد بايدن إيصالها أنه كلما بذلنا جهداً لتحقيق مصالحنا الشخصية، كلما أصبح من الصعب الاهتمام بمطالب الآخرين، على الأقل بنفس الدرجة، ما يؤدي في النهاية إلى الشعور بالذنب عندما يكتشف المرء عدم قدرته على إيجاد توازن بين هذين المطلبين المتضاربين، ويبقى التساؤل: ماذا لو كانت المفارقة التي تحكم هذه الفكرة خاطئة؟
تقاطبات المجتمع المغربي
تُطرح اليوم أسئلة سوسيولوجية دقيقة ومعقّدة بخصوص التقاطبات التي يعيشها المجتمع المغربي بين خيارات الحداثة والمحافظة، وبالرغم من أن هذه الظاهرة تُعتبر عابرة لمختلف المجتمعات العربية، فإن مضمون النقاش حولها أصبح ملمحاً مغربياً بارزاً يستوجب استقطاب أسئلة سوسيولوجية، لها ارتباط عميق بالأسس الفكرية والقيمية التي تشهدها تحولات المجتمعات المعاصرة.
وإذا كانت المجتمعات العربية، بدرجات متفاوتة، تعيش تقاطبات سياسية وطائفية ناتجة عن خصوصية تركيبتها المذهبية والتاريخية وتجربتها مع الغطرسة الخارجية، فإن المجتمع المغربي قد تجاوز هذا التقاطب السياسي الحاد الذي برز قوياً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كما أن التجاذب الإثني الذي كان خفياً في الماضي بين الأمازيغ والعرب والذي طفا على السطح في السنين الأخيرة في المغرب، لم يتخذ طابعاً سياسياً يحتدم فيه الصراع حول السلطة، وإنما أخذ منحى اجتماعياً حقوقياً يتمثل في المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية كمكون هوياتي ووجداني وثقافي مغربي، فعلاً، هذا ما تحقق في التعديل الدستوري سنة 2011 بدسترة اللغة الأمازيغية، ومع ذلك لا يزال نشطاء الحركة الأمازيغية يطمعون في توسيع مجال المكون الأمازيغي ويلحون على مساواته بالمكون العربي.
يُعتبر الانتقال من التقاطب السياسي إلى التقاطب الاجتماعي والحقوقي في المغرب مرحلة دقيقة ومُحددة لمستقبل المجتمع المغربي، فإما أن يكون هذا الانتقال عتبة تاريخية لبلوغ المجتمعات الصاعدة واكتساب القدرة على مواكبة تحديات الثورات التكنولوجية والرقمية بالإجماع على تحديث المجتمع، وإما أن يكون هذا الانتقال حبيس نقاش بمنطلقات عقدية مُسيّسة أو بحسابات عرقية منطقها هيمنة الهوية، وهنا سيهدر المجتمع المغربي مجهود الانتقال الذي حققه في العهد الجديد، وسيكون فريسة عودة تقاطب سياسي أخطر من سابقه.
من أمثلة هذه التقاطبات الاجتماعية والحقوقية التي يعيشها المغرب، هناك جدل يثيره الفصل 490 من القانون الجنائي ذي الصلة بالحريات الفردية، إذ ينصُّ على أن «كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها بالحبس»، مقابل هذه النازلة المنحازة إلى ما يُطلق عليه «الأخلاق العامة» هناك تيارات حقوقية وسياسية واسعة ترفض هذا الفصل بالدعوة إلى إصلاح القانون الجنائي واحترام العلاقات الرضائية انتصاراً لمبدأ الحرية، وهو المقترح الذي تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان، انسجاماً مع ما تنص عليه الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ويتمحور التقاطب حول هذه المسالة في مرجعيتين مختلفتين، الأولى تستند إلى مبرّر خصوصية المجتمع المغربي المحدّدة بالتعاليم الإسلامية وضوابطها، والثانية تنطلق من شرعية الحقوق الفردية ومن الدلالة الديمقراطية الليبيرالية التي تعد وحدها جواز مرور إلى نادي العولمة للحصول على عضوية المجتمعات الديمقراطية.
ويحتاج هذا التقاطب، الذي ينبغي أن يكون في سياق إيجابيات الانتقال المتحدث عنه أعلاه، إلى تأطير نظري وفكري يؤلف حقاً بين خصوصية المجتمع المغربي وضوابط هويته الصلبة، وبين ضرورة تأهيل المجتمع بما يجعله قادراً على مواكبة الثورات التكنولوجية.
وإذا كانت المجتمعات العربية، بدرجات متفاوتة، تعيش تقاطبات سياسية وطائفية ناتجة عن خصوصية تركيبتها المذهبية والتاريخية وتجربتها مع الغطرسة الخارجية، فإن المجتمع المغربي قد تجاوز هذا التقاطب السياسي الحاد الذي برز قوياً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كما أن التجاذب الإثني الذي كان خفياً في الماضي بين الأمازيغ والعرب والذي طفا على السطح في السنين الأخيرة في المغرب، لم يتخذ طابعاً سياسياً يحتدم فيه الصراع حول السلطة، وإنما أخذ منحى اجتماعياً حقوقياً يتمثل في المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية كمكون هوياتي ووجداني وثقافي مغربي، فعلاً، هذا ما تحقق في التعديل الدستوري سنة 2011 بدسترة اللغة الأمازيغية، ومع ذلك لا يزال نشطاء الحركة الأمازيغية يطمعون في توسيع مجال المكون الأمازيغي ويلحون على مساواته بالمكون العربي.
يُعتبر الانتقال من التقاطب السياسي إلى التقاطب الاجتماعي والحقوقي في المغرب مرحلة دقيقة ومُحددة لمستقبل المجتمع المغربي، فإما أن يكون هذا الانتقال عتبة تاريخية لبلوغ المجتمعات الصاعدة واكتساب القدرة على مواكبة تحديات الثورات التكنولوجية والرقمية بالإجماع على تحديث المجتمع، وإما أن يكون هذا الانتقال حبيس نقاش بمنطلقات عقدية مُسيّسة أو بحسابات عرقية منطقها هيمنة الهوية، وهنا سيهدر المجتمع المغربي مجهود الانتقال الذي حققه في العهد الجديد، وسيكون فريسة عودة تقاطب سياسي أخطر من سابقه.
مارك لافيرني
منذ يوم
من أمثلة هذه التقاطبات الاجتماعية والحقوقية التي يعيشها المغرب، هناك جدل يثيره الفصل 490 من القانون الجنائي ذي الصلة بالحريات الفردية، إذ ينصُّ على أن «كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها بالحبس»، مقابل هذه النازلة المنحازة إلى ما يُطلق عليه «الأخلاق العامة» هناك تيارات حقوقية وسياسية واسعة ترفض هذا الفصل بالدعوة إلى إصلاح القانون الجنائي واحترام العلاقات الرضائية انتصاراً لمبدأ الحرية، وهو المقترح الذي تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان، انسجاماً مع ما تنص عليه الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ويتمحور التقاطب حول هذه المسالة في مرجعيتين مختلفتين، الأولى تستند إلى مبرّر خصوصية المجتمع المغربي المحدّدة بالتعاليم الإسلامية وضوابطها، والثانية تنطلق من شرعية الحقوق الفردية ومن الدلالة الديمقراطية الليبيرالية التي تعد وحدها جواز مرور إلى نادي العولمة للحصول على عضوية المجتمعات الديمقراطية.
ويحتاج هذا التقاطب، الذي ينبغي أن يكون في سياق إيجابيات الانتقال المتحدث عنه أعلاه، إلى تأطير نظري وفكري يؤلف حقاً بين خصوصية المجتمع المغربي وضوابط هويته الصلبة، وبين ضرورة تأهيل المجتمع بما يجعله قادراً على مواكبة الثورات التكنولوجية.
الأخبار ذات الصلة
عمر عليمات
منذ يومين
حلمي النمنم
منذ يومين
محمد زاهد غول
منذ يومين
بشار جرار
22 فبراير 2021
د. حميد الكفائي
22 فبراير 2021
حسين الشيخ
22 فبراير 2021
د. فاتح عبد السلام
22 فبراير 2021
خالد الروسان
22 فبراير 2021
أحمد المسلماني
21 فبراير 2021
د. علي بن حمد الخشيبان
21 فبراير 2021
سارة مطر
21 فبراير 2021