الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تقاطبات المجتمع المغربي

تُطرح اليوم أسئلة سوسيولوجية دقيقة ومعقّدة بخصوص التقاطبات التي يعيشها المجتمع المغربي بين خيارات الحداثة والمحافظة، وبالرغم من أن هذه الظاهرة تُعتبر عابرة لمختلف المجتمعات العربية، فإن مضمون النقاش حولها أصبح ملمحاً مغربياً بارزاً يستوجب استقطاب أسئلة سوسيولوجية، لها ارتباط عميق بالأسس الفكرية والقيمية التي تشهدها تحولات المجتمعات المعاصرة.

وإذا كانت المجتمعات العربية، بدرجات متفاوتة، تعيش تقاطبات سياسية وطائفية ناتجة عن خصوصية تركيبتها المذهبية والتاريخية وتجربتها مع الغطرسة الخارجية، فإن المجتمع المغربي قد تجاوز هذا التقاطب السياسي الحاد الذي برز قوياً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كما أن التجاذب الإثني الذي كان خفياً في الماضي بين الأمازيغ والعرب والذي طفا على السطح في السنين الأخيرة في المغرب، لم يتخذ طابعاً سياسياً يحتدم فيه الصراع حول السلطة، وإنما أخذ منحى اجتماعياً حقوقياً يتمثل في المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية كمكون هوياتي ووجداني وثقافي مغربي، فعلاً، هذا ما تحقق في التعديل الدستوري سنة 2011 بدسترة اللغة الأمازيغية، ومع ذلك لا يزال نشطاء الحركة الأمازيغية يطمعون في توسيع مجال المكون الأمازيغي ويلحون على مساواته بالمكون العربي.

يُعتبر الانتقال من التقاطب السياسي إلى التقاطب الاجتماعي والحقوقي في المغرب مرحلة دقيقة ومُحددة لمستقبل المجتمع المغربي، فإما أن يكون هذا الانتقال عتبة تاريخية لبلوغ المجتمعات الصاعدة واكتساب القدرة على مواكبة تحديات الثورات التكنولوجية والرقمية بالإجماع على تحديث المجتمع، وإما أن يكون هذا الانتقال حبيس نقاش بمنطلقات عقدية مُسيّسة أو بحسابات عرقية منطقها هيمنة الهوية، وهنا سيهدر المجتمع المغربي مجهود الانتقال الذي حققه في العهد الجديد، وسيكون فريسة عودة تقاطب سياسي أخطر من سابقه.


من أمثلة هذه التقاطبات الاجتماعية والحقوقية التي يعيشها المغرب، هناك جدل يثيره الفصل 490 من القانون الجنائي ذي الصلة بالحريات الفردية، إذ ينصُّ على أن «كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها بالحبس»، مقابل هذه النازلة المنحازة إلى ما يُطلق عليه «الأخلاق العامة» هناك تيارات حقوقية وسياسية واسعة ترفض هذا الفصل بالدعوة إلى إصلاح القانون الجنائي واحترام العلاقات الرضائية انتصاراً لمبدأ الحرية، وهو المقترح الذي تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان، انسجاماً مع ما تنص عليه الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ويتمحور التقاطب حول هذه المسالة في مرجعيتين مختلفتين، الأولى تستند إلى مبرّر خصوصية المجتمع المغربي المحدّدة بالتعاليم الإسلامية وضوابطها، والثانية تنطلق من شرعية الحقوق الفردية ومن الدلالة الديمقراطية الليبيرالية التي تعد وحدها جواز مرور إلى نادي العولمة للحصول على عضوية المجتمعات الديمقراطية.


ويحتاج هذا التقاطب، الذي ينبغي أن يكون في سياق إيجابيات الانتقال المتحدث عنه أعلاه، إلى تأطير نظري وفكري يؤلف حقاً بين خصوصية المجتمع المغربي وضوابط هويته الصلبة، وبين ضرورة تأهيل المجتمع بما يجعله قادراً على مواكبة الثورات التكنولوجية.