الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

تونس.. نهاية زمن الغنوشي

تفاقم الأزمة السياسية التونسية، وتحولها إلى انسداد حقيقي، بقدر ما انعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للتونسيين، إلا أنه أنتج في المقابل تطوراً في فهم الطبقة السياسية للأزمة، ولجذورها ودواعيها وللحلول التي تُخرج البلاد من واقعها الراهن.

ثمّة نوع من الإجماع على أن توصيف الأزمة الراهنة بكونها أزمة دستورية ليس توصيفاً دقيقاً، فالأزمة سياسية في المقام الأول، وفي ثنايا هذا الإجماع تسود قناعات أخرى بأن الخلاف ليس بين هشام المشيشي رئيس الحكومة، وبين الرئيس قيس سعيّد، بل هو تناقض عميق بين حركة النهضة ومؤسسات الدولة، وعلى ذلك توسع الاقتناع بأن الحل يبدأ من سحب الثقة من راشد الغنوشي رئيس البرلمان.

معطيات كثيرة تؤكد هذا التطور في قراءة الأزمة.. المعطى الأول هو تسارع نسق الاستعداد لتمرير عريضة لسحب الثقة من الغنوشي، وهي العريضة الثانية بعد عريضة شهر يوليو من العام الماضي، وما يميز هذه المحاولة الجديدة، هو كونها حرصت على تفادي كل منزلقات التجاذب السياسي بعد تكليف مجموعة من النواب غير المنتمين إلى كتل بعملية التنسيق وتجميع الإمضاءات.


المعطى الثاني هو ما ورد في إشارات قيس سعيّد أثناء اجتماعه الأربعاء الماضي بمجموعة من نواب البرلمان، حيث أكد أن حل الأزمة القائمة يكون باحترام النص الدستوري لا بالتأويلات أو الفتاوى.


في عمق الأزمة تشكل اتفاق سياسي على أن الحل يفترض أن يكون من جنس المشكلة، وإذا كانت المشكلة سياسية عميقة، فإن الحل يفترض أن يكون سياسياً وحاسماً، ويبدأ بسحب الثقة من رئيس البرلمان لتنقية الأجواء السياسية وإعادة التوازن إلى المشهد السياسي، وينتهي بمراجعة النظام السياسي والقانون الانتخابي والتسريع بتشكيل المحكمة الدستورية.

على ذلك، فإن استقالة المشيشي أو التخلي عن الوزراء الذين تعلقت بهم شبهة فساد أو تضارب مصالح، لا تمثل حلاً جذريّاً للأزمة، بل ستؤجل الأزمة أو ترحّلها إلى خلاف مقبل أو حكومة قادمة.

في الوضع الراهن فقد راشد الغنوشي كل مصداقيته السياسية بعد أن ألقى بالمشيشي في قلب معركة لا طائل منها مع الرئاسة، وبعد أن حاول الدوس على صلاحيات الرئيس سياسيّاً ودبلوماسيّاً، وأسهم في تحويل البرلمان إلى ميدان للاحتقان المتواصل.

التحرك البرلماني من أجل سحب الثقة من الغنوشي أكد وجود وعي سياسي، بأن الأخير يتحمل مسؤولية كبرى في هذا الأزمة، وأن إبعاده عن رئاسة البرلمان منطلق حقيقي للحل، لأن وجوده تحول إلى عبء في ظل رفض غالبية الأطياف السياسية له.