الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الأخلاق.. قبل الشريعة والقانون

جوهر وجود الاجتماع الإنساني يكمن في منظومة الأخلاق التي تنظم علاقات الأفراد والجماعات، فبدون الأخلاق لن يكون هناك مجتمع بشري، لأن الأخلاق هي التي تردع الإنسان عن التجاوز، والاعتداء على أخيه الإنسان، وهي التي تحول دون اندفاع أنانية الإنسان وطمعه وجبروته، وتجعل الإنسان قابلاً للتنازل عن بعض ما يريده حفاظاً على صورته ومكانته واحترام المجتمع له، لأن فكرة المكانة الاجتماعية في حد ذاتها هي نتيجة لوجود الأخلاق.

المجتمع ينشأ في الأساس على الأخلاق، وينتظم غالبية أفراده في سلوكياتهم، وعلاقاتهم بوازع أخلاقي، ورغبة في التخلق بهذه الأخلاق، والتزين بها، وتتحدد أخلاقيات المجتمعات طبقاً لمصادر متعددة، بعضها يستمد أخلاقه من التجربة والخطأ، وحكمة السابقين، والسوابق الاجتماعية، وبعضها يستمدها من فيلسوف ملهم، أو حكيم قديم، أو شاعر عبقري، وأغلب المجتمعات تستمد أخلاقها من الدين، أياً كان مصدر هذا الدين، وأياً كانت طبيعته، وهنا تكون الأخلاق أكثر إلزامية لارتباطها بالمقدس، ووجود نوع من الثواب والعقاب في الآخرة عليها، وفي كل الأحوال يكون العرف الاجتماعي هو مصدر الأخلاق ومحدد طبيعتها ونوعيتها، ومنظومتها.

وتعتبر الأخلاق مقياساً لاستقرار الأديان ورسوخها في المجتمع، فالدين الذي يحقق الاستقرار في المجتمع هو الدين الذي استطاع أن يتحول إلى قيم وأخلاق اجتماعية، وصار ثقافة مجتمعية، وصار عرفاً عاماً، أما الدين الذي ما زال محصوراً في دور العبادة، وتتوقف قيمه عند حدود الطقوس الدينية فلم يستقر بعد في مجتمعه، والمقياس هنا هو أن يتحول مفهوم الحرام الديني إلى مفهوم العيب الاجتماعي، فإذا صار الحرام عيباً، هنا أصبح الدين ثقافة، وحقق أعلى درجات الاستقرار في المجتمع، والرسوخ في نفوس الأتباع، أما حين يكون الحرام الديني شيئاً مختلفاً عن العيب الاجتماعي، فهذا يؤشر إلى غربة الدين عن المجتمع، ويؤكد أن هناك ازدواجية في سلوك الأفراد، فالمتدينون لهم منظومة أخلاق تختلف عن غيرهم.


ومن يتأمل في الشريعة الدينية أو الفقه، خصوصاً جانب المعاملات فيه، يجد أنه يقوم على التسليم بمنظومة الأخلاق أولاً، حتى إن الفقه الإسلامي يعتبر العرف مصدراً للتشريع، وكذلك القانون ينظر إلى العرف على أنه كذلك، وهنا نجد أن كلاً من الشريعة والقانون يتعاملان مع الحالات الشاذة التي خرجت عن المجتمع، أو عن عرف المجتمع، أو عن أخلاق المجتمع، فالشريعة أو الفقه والقانون كلاهما يعالجان من يخالف الأخلاق من خلال عقوبات رادعة تلزمه بأن يعود للالتزام واحترام القيم والأخلاق.