السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

تونس.. كارثة الاقتصاد وعبث السياسة

الأرقام التي أفرج عنها المعهد الوطني للإحصاء في تونس منذ أيام قليلة، كانت دالة على عمق الأزمة الاقتصادية من ناحية، ومعبرة عن إدارة الطبقة السياسية ظهرها لواقع البلاد من ناحية ثانية.

قالت الأرقام إن الاقتصاد التونسي سجّل تراجعاً سلبيّاً في نموه بلغ نسبة -8.8%.. صحيح أن الآثار المترتبة على وباء كورونا ساهمت في تعميق الأزمة، ولكن الوباء ليس العامل الوحيد لتفسير الظاهرة.

الأزمة الاقتصادية تعود أساساً إلى طريقة تعاطي الطبقة السياسية مع واقع البلاد، سواء من ناحية إهمالها لواجباتها المنوطة بها في تدبر حلول عاجلة لإنقاذ الاقتصاد، أو من ناحية تركيزها على مصالح حزبية على حساب ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.


ثابت أن هذه الأرقام الكارثية بلغت أسماع الحكومة وأعضاء البرلمان وكل الأحزاب، ولكن الفاعل السياسي ليس معنيّاً بدلالات الأرقام، لأنه منشغل بالأزمة السياسية التي تراوح مكانها، ويرابط الضالعون فيها في مواقعهم ويتمترسون في الدفاع على مواقفهم، وثانياً لأنه لا يملك برامج لتدبر الحلول.


فضلاً عن أن تشكيل الحكومات لم يكن ملتزماً منذ البداية بمنطق الأفكار والبرامج، بل كان خاضعاً لمحاصصة خفية كانت تجري في أروقة البرلمان.

كانت أرقام معهد الإحصاء صادقة وصادمة، فيما كانت الحكومة والأحزاب تشيح بأنظارها بعيداً عما يحدث في البلاد، من ذلك مثلاً أن قانون الميزانية التعديلي لعام 2020، الذي تمت المصادقة عليه في شهر نوفمبر الماضي، بُنيَ على أساس نسبة نمو سلبية لا تتجاوز 7%، ولا أحد يعرف كيف سيتم تدارك هذا الفارق الكبير بين الفرضيات المتسرعة والأرقام الحقيقية.

في الجانب الآخر من المشهد، يواصل الائتلاف الحاكم عبثه بمستقبل البلاد في صراع إرادات بلغ أَوْجَهُ، دون استعداد للتنازل أو لتغليب مصلحة البلاد على مصلحة الأحزاب، والدليل على ذلك أن أغلب الأحزاب لم تتفاعل مع ما تعنيه أرقام المعهد الوطني للإحصاء، ولم تبد أي انشغال بمآلات ذلك، لأن الاهتمام منصب على تحصين المواقع الحزبية.

وإذا ما كان الرئيس قيس سعيّد مقيداً بصلاحيته المحدودة التي حددها له الدستور، فإن الائتلاف الحاكم لا يشعر بالمسؤولية تجاه الوضع الاقتصادي الذاهب حثيثاً نحو الكارثة، ذلك أن هذا الائتلاف بوصفه صاحب الأغلبية في البرلمان، تقع عليه مسؤولية تقديم حلول لأزمات البلاد، الصحية والاقتصادية والسياسية.. في تونس لا تصدق إلاّ الأرقام، في زمن تحوَّل فيه العبث السياسي إلى ممارسة يومية.