الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

مجلس الأمن.. مهمة التلقيح

انطبعت سمة راسخة في مهمات مجلس الأمن الدولي تخص النزاعات والحروب والعقوبات الدولية على نحو بارز، في حين أنّ أحداثاً توازي أزمات الحروب تشغل العالم منذ أكثر من سنة، تتعلق بجائحة كورونا وما اتصل بها من تداعيات اقتصادية مريعة، باتت تهدد الدول الفقيرة بعدم إمكانية الحصول على كمية مناسبة من جرعات اللقاحات المتاحة اليوم، وهذه التطورات العالمية تبرر نقل المهمة الخطيرة في رسم خارطة التصدي للفيروس عبر اللقاحات من قرارات منفردة للدول إلى وظيفة مركزية يضطلع بها مجلس الأمن بحكم إمكاناته وصلاحياته الكبيرة.

في هذا السياق قدم وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب مقترح بلاده لتجديد أداء الوظائفية الخاصة بمجلس الأمن بشقيه، الدول الدائمة العضوية والمجلس الموسع الذي يضم 15 دولة.

وذلك من خلال تبنِّي مشروع لتوزيع اللقاحات على الدول الفقيرة والمناطق ذات النزاعات المسلحة، التي تحتاج إلى ضغوط أكيدة لوقف إطلاق نار من ناحية إنسانية لغرض تلقيح ما مجموعه 160 مليون إنسان، فضلاً عن إلزام الدول الغنية والمنتجة للقاحات بالتبرع السريع للأجزاء المرهقة اقتصادياً من العالم، في إطار هدف إنساني يظهر كفاءة أكبر مؤسسة عالمية تُعنى بالأمن الدولي، وليكون التصدي للوباء المكتسح في صلب مفهوم جديد لذلك الأمن.


لقد بدا واضحاً في سلوك الشركات العملاقة المنتجة للقاحات الاتجاه لبسط إرادتها في رسم خارطة توزيع اللقاح بحكم عنصر التنافس، وحجز مقعد في قطار المستقبل لمتابعة الاختراع والإنتاج، لإكمال المواجهة مع الفيروس الذي يمتلك قابلية انشطارية عالية في توليد سلالات جديدة، وهنا، سيكون ثمّة نقص مؤكد في عمليات وقف تطور انتشار الفيروس إذا كانت خارطة توزيع اللقاحات تحت تأثير انحيازات عوامل الإنتاج والتنافس من دون إيجاد بوصلة المراقبة والتوجيه والتحكم بفعل عناصر التمكن، ذلك أن الجائحة عالمية، ولا معنى لمواجهات عالية التغطية في الجزء الثري من العالم، في حين ربّما تتحول الدول الفقيرة مع تأخر التلقيح إلى بؤرة مستعصية.


لم تعد ممكنةً محاولات ضبط ساعة الأمن في العالم عبر القوة العسكرية وسلاح العقوبات النافذ، وإنما هناك جوانب أخرى ذات أهمية حاسمة لا يمكن تجاهلها تتصل بالأمن العلمي والأمن الصحي والأمن الغذائي وأمن المناخ، وجميع تلك النواحي وجوه عملية لواجبات الدول المقتدرة، تصبُّ في استقرار العالم أو تكريس الهزّات والتقلبات فيه بما يجعل القوة العسكرية والتفوق التكنولوجي في بعض الأحيان غير ذي فائدة حاسمة.