الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

نعم.. عالم عربي

ما جرى في المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة، جعل البعض يصيحون بأعلى صوت: لم يعد هناك عالم عربي، وأن كلمات مثل «الأمة العربية» و«الوطن العربي»، باتت في ذمة التاريخ وأنها لم تكن سوى كابوس مر بنا في الخمسينات والستينات وأننا لم نحصد منه سوى القمع والهزيمة والفقر، وتحولت تلك الفترة إلى مادة للتهكم والسخرية.

وقد وجدها أنصار العولمة فرصة ذهبية للتندر بالعروبة، تاريخاً ومعنى، وجدنا من يباهي بسباب صلاح الدين الأيوبي والمتنبي وأبو تمام، فضلاً عن تكفير رموز النهضة العربية الحديثة سواء كانوا زعماء كبار مثل سعد زغلول أو من المبدعين العظام، مثل طه حسين وأم كلثوم ونجيب محفوظ.

وظهرت تلك الآراء على استحياء عقب هزيمة 1967، لكن أجواء الاحتشاد العربي دفعت أصحابها للتراجع، ثم ما لبثت أن ظهرت بحدة بعد احتلال العراق سنة 2003، أما بعد 2011، فاعتبر هؤلاء أن الحديث عن عالم عربي واحد نوع من الهرطقة أو حالة مرضية.


لن أناقش تلك الآراء، ذلك أن الواقع يثبت أن الأمة العربية قائمة، لكن الذي فشل هو مشروع الوحدة العربية على النحو الذي قامت به الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 وكان لا بد أن يفشل، وكذلك أفكار الوحدة الاندماجية على طريقة الراحل معمر القذافي.


سوف تبقى الأمة العربية قائمة ما بقيت اللغة العربية، اللغة تقرب المشاعر والأفكار والفنون، طه حسين ونجيب محفوظ وجبران خليل جبران وأم كلثوم وآخرين، يجتمع حولهم المواطن العربي من طنجة إلى شاطئ الأطلنطي وحتى دبي على شاطئ الخليج، فضلاً عن ذلك، فإن ضرورات الجغرافيا تفرض التقارب والترابط، حتى لو حاول البعض إغفال ذلك أو تجاهله.

المشكلة تكمن في بعض التصورات والمفاهيم السياسية، كما تعكسها بعض وسائل الإعلام هنا وهناك، وبالأحرى بعض رجال الإعلام بيننا من يتصور أن المواقف السياسية لكل الدول العربية يجب أن تكون «متطابقة تماماً»، فإذا لم يقع ذلك «التطابق التام» يقيم البعض القيامة ويصيحون: أين العروبة؟

ليس مطلوباً أن تتطابق سياسات الدول العربية حرفياً، فهناك خصوصية وسيادة لكل دولة، ويجب ألا يتم التدخل في تلك السيادة وإملاء ما يتصوره البعض على دولة ما، المشكلات والهموم في مصر أو في دول الخليج لن تكون هي نفسها في المغرب أوفي اليمن أو السودان، وأهل مكة أدرى بشعابها.

يجب الإقرار بهذا التباين واحترامه بصدق، واعتباره حالة من التنوع والتباين الذي يصبح مصدراً للثراء والخصوبة.