السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

السلام.. الطاولة وسلاح الميليشيات

لم يجف حبر الاتفاق الذي وقعته الأطراف الليبية لتنفيذ خارطة طريق بهدف التوصل إلى سلام شامل، لينهي الصراع المستمر منذ نحو 6 أعوام، حتى بدأت الأخبار تتوالى عن محاولة اغتيال واشتباكات هنا وهناك بين فصائل مختلفة، بشكل قد يضع الاتفاق في مهب الريح ليبقى حبراً على ورق.

يقول أفلاطون إن: «البداية هي أهم جزء من أجزاء العمل»، والتجارب العديدة لاتفاقات الفرقاء في العراق وليبيا ولبنان وغيرها بدأت جميعها بمؤتمرات سياسية وترحيب دولي مزهو بالقدرة على جمع كافة الأطراف على طاولة واحدة، إلا أن النتيجة كانت دائماً ذاتها، وهي كيان سياسي تحت مسمى الدولة مصاب بالشلل، وكيانات موازية مؤثرة على الأرض، تحكم بما تريد وبما يخدم مصالحها دون أدنى اعتبار لسلطة الدولة وشرعيتها.

معضلة الاتفاقات السياسية في منطقتنا تتمثل في إغفال الحلول الفعلية التي تضمن سيطرة الدولة على السلاح وحصره بيد السلطة الشرعية المتفق عليها سياسياً، وبالتالي يبقى باستطاعة أي قائد ميليشيات مدججة بالسلاح أن يطيح بكل الجهود الدولية والإقليمية لحل أي صراع، وينسف كل الاتفاقات والتفاهمات.


ولنكون أكثر تحديداً وواقعية، ونسال: هل من الممكن أن تصل ليبيا إلى سلام في ظل وجود نحو 300 ميليشيا مسلحة تسليحاً عسكرياً ثقيلاً؟ وهل يمكن أن يصل لبنان إلى الاستقرار السياسي و«حزب الله» يمتلك جيشاً يفوق الجيش اللبناني عدَّة وعتاداً؟ وهل حكومة العراق قادرة على ضبط الأمن وترسيخ السلم المدني وفي كل محافظة ميليشيات تابعة لجهة ما؟ الإجابة عن هذه التساؤلات لا تحتاج إلى تحليل وتدقيق، لأن الواقع يقدم أبلغ إجابة وأوضحها، فالجميع غارقون في الحديث عن السياسة، بينما الميليشيات تصول وتجول، وتفرض ما تريد.


البداية التي على الجميع أن يثق بنتائجها لحل أي صراع، تتمثل ببحث أساس المشكلة، وهو السلاح، وكيفية نزعه من أيدي الميليشيات والأحزاب، وإلا فسيبقى الجميع يدور في دائرة مغلقة تبدأ بالحوار والتصفيق وتنتهي بالدم والتناحر واختلاف المصالح، فالمنطق يقول: إن مَن استحوذ على نفوذ واسع بقوة السلاح لن يتردد في استخدام السلاح ذاته للقضاء على أي مشروع سياسي يسعى لانتزاع هذا النفوذ.

باختصار، فإن الأزمات التي تعصف بمنطقتنا تحولت بشكل أو بآخر إلى شبه حروب بين الميليشيات، التي تدفع بأصحاب الياقات البيضاء للجلوس على طاولة الحوار والنقاش، وتخفي السلاح تحت الطاولة لتستخدمه إذا ما رأت أن الحوار المنطقي والسياسي يمكن أن يحد من نفوذها ومصالحها الضيقة.